يحمل الخمسيني عيسى سلامة مطرقة وإزميلاً، وينهمك جاهداً بكل قواه في النحت. تغطي وجهه لحية بيضاء، أخذت لونها من غبار أحجار منحوتاته، فيما يصنع جمالاً من صلابة الأحجار. يفضل سلامة الحجر على بقية الخامات للنحت، ويرجع ذلك إلى انتمائه لبيئة جبلية تتميز بصخورها الضخمة والقاسية.يسند الرجل جسده على صخرة، ويبدأ حديثه مع «الأخبار» بالقول: «النحت على الحجر هو خروج عمّا هو مألوف». يعدّ النحت «ولادة جديدة لتلك الصخور»، ويعتقد أن نحته يهب الحياة للحجارة والأخشاب التي تجسد أنواعاً مختلفة من الأشكال المعبرة. تتخذ المجسمات والتماثيل التي صنعها ابن قرية الدريكية (تتبع مدينة بانياس)، أوصافاً متعددة «كالأحياء تماماً»، بحسب وصف صانعها. «لكن الأحجار مخلصة، ولا تعرف خيانة البشر»، يقول متحدثاً عن أسباب حبّه لتلك الأحجار، وتمضية جلّ وقته بالعمل فيها.
بدأ سلامة النحت منذ طفولته، بـ«فطرة ربانية» ومن دون معلم ينهل منه قواعد للنحت وأساليبه. وتجسد منحوتاته الواقع البشري، إذ لا حاجة إلى الإمعان في التفكير فيها. يسعى سلامة، بحسب قوله، إلى أن «يرى السوريون شكلاً آخر للأحجار، بعيداً عن صلابتها»، وأن يستطيعوا التعرّف على أنواعها، من خلال منحوتاته التي يحرص على إطلاق الأسماء عليها. يقول «الأحجار متنوعة في بلادنا، كتنوع أطياف العباد فيها». يُعبّر سلامة من خلال أحجاره عمّا يعتريهِ من مشاعر وانفعالات. ينسى نفسه وتفاصيل يومه، إلى أن ينهي عمله مع الصخور، على أتمّ وجه، وعلى نحو يرضيه. يستطيع الخمسيني صنع أيّ منحوتة حجرية خلال أسبوع في الحد الأقصى، ويعلق على ذلك بقوله «هذه الصخور السورية ليست كباقي الصخور في العالم، شهدت معنا وعلينا، وصارت بيننا علاقة صداقة حميمة». يقول مختتماً حديثه «خلف قسوة البازلت التي تخدع العيون والأكف، هناك قلب عامر بالدفء والحب والجمال، ليس يراه غير نحات علّمه البحر أن اللآلئ تختبئ تحت الأمواج الهادرة».