شهدنا أخيراً الاحتفاء بافتتاح معبر «البوكمال/ القائم» الحدودي مع العراق. لا شكّ في أن للحدث دلالاته السياسية، لكن ما يعنينا في هذه الزاوية هو الجانب الاقتصادي، خاصة في ظل بدء موجة «التبشير بانفراجات». السؤال الآن، هل ستختلف النتيجة كثيراً عمّا حدث بعد افتتاح معبر «نصيب» الحدودي مع الأردن؟ يبدو رفع سقف التوقّعات الاقتصادية، مقامرة غير محسوبة، فالمعطيات لا تشي بفائدة جوهرية كبرى. لا يعني ذلك التقليل من أهمية السوق العراقية، فهي سوق مُهمة بالفعل، نتيجة ارتفاع عدد السكان من جهة، وارتفاع قيمة الرواتب (المدولرة) مقارنة بالرواتب السورية. القدرة الشرائية في العراق (رغم مشكلاته الاقتصادية)، أفضل من نظيرتها في سوريا التي يعاني سكانها من مديونية عالية النسبة. لتقييم الأثر المحتمل لافتتاح المعبر، علينا أن نتذكر أنّ المعابر تُستخدم عادة للاستيراد والتّصدير. الأخير، هو «طاقة الفرج» المأمولة، ولننظر قليلاً إلى ما قد يُصدّره السوريون اليوم. زراعياً، سنجد الخضار والفواكه السورية؛ ويبدو من الجيد تصدير الحمضيّات مثلاً، لوجود فائض في إنتاجها الموسمي عادةً. لكن سلوك حركة التصدير في البلاد، يشي بأن التركيز سينصبّ على الخضار الأكثر غلاء في الأسواق، والأشد أهمية استهلاكيّة لتحويلها إلى صفقات تصدير، وطبعاً بذريعة «استدرار القطع الأجنبي»، ولو أدّى ذلك إلى فقدان هذه المادة أو تلك من الأسواق أو ارتفاع سعرها. لم ننسَ بعد ما حدث عند افتتاح معبر «نصيب» من غلاء للبندورة، مع انخفاض لكمياتها في الأسواق المحليّة، ليسارع الفريق الاقتصادي بالسماح باستيراد البندورة بعدما صدّرناها! هل سنصدّر منتجات صناعية؟ عظيم، لكن أين الصناعة السورية؟ إنها مهملة، غير مدعومة بشيء سوى همّة الصناعيين التي بدأت تنفَد مع كثرة العراقيل. مُنتجاتنا اليوم محدودة، وفي قطاعات تعيش منافسة شديدة كالمنسوجات والأقمشة والملابس (علاوة على بعض الصناعات المميزة كالشرقيات وصابون الغار وبعض الصناعات الغذائية). هل من حاجة إلى التذكير بأن الملابس التركية تدخل أسواق دمشق بالأطنان من دون أن يقول لها أحد «ما أحلى الكحل بعينك»؟ طبعاً «تهريبات الحيتان» لا تراها الحملات الجمركية (ما أخبار حملة «سوريا خالية من التهريب»؟). تغرق الأسواق السورية بالمنتجات الصينية والتركية وغيرها، مستوردةً ومهرّبة. وبمنتجات تم التلاعب بمعلوماتها الخاصة بـ«بلد المنشأ»، لتحلّ عبارة «صنع في سوريا» محل «Made in Bangladesh»، مثلاً. أهذه هي الخطة الاقتصادية التي ستثمر تصديراً إلى بلد كالعراق؟ بلد متسع الرقعة الجغرافية، لم يعد تحت الحصار الاقتصادي، لن يبحث عن المنتجات الصينية في الأسواق السورية. ماذا سنُصدّر، ونحن نعلم يقيناً أن هناك 750 مصنعاً في القابون سيتم هدمها لأن أحداً قرّر أن «دمشق مدينة تجارية»؟ هل علينا تجاهل أن كثيراً من تلك المصانع كانت تشتغل بالصناعات التحويلية، وأنها مؤهّلة لحصد نصيب وافر من صفقات التصدير إلى العراق لو سمح لها بالعمل؟
طيب، كيف سيؤدي افتتاح المعبر الجديد إلى استجلاب القطع الأجنبي؟ هل يتذكر الفريق الاقتصادي أن تعهّد «إعادة القطع» مُعلّق التنفيذ منذ سنوات طويلة؟ للتوضيح باختصار، كان ثَمة قرار في سوريا يُلزم المصدّرين بـ«إعادة القطع الأجنبي»، بمعنى أن يتعهدوا بتقديم القطع الأجنبي العائد عليهم من عمليات التصدير، إلى الخزينة المركزية، ويقبضوا ما يعادله بالليرة السورية. كان ذلك قبل صدور القرار رقم 679 لعام 2016، الذي ألغى هذا الإجراء. الخلاصة؛ أن ضعف الناتج المحلي من الإنتاج الصناعي، لن يسمح للبلاد أن تحصد الخير المأمول من فتح أي معبر، فليس لدينا الكثير لنصدّره. لكن؛ كالعادة هناك الكثير لنستورده؛ جزء نحتاج إليه كالبنزين وعموم المشتقّات النفطية، وأجزاء لا نحتاج إليها ستُغرق الأسواق.