«تحويل الأموال»: اثقب العجلة والعن المؤامرات!

  • 0
  • ض
  • ض

يصلح ملف شركات تحويل الأموال، مثالاً نموذجيّاً على كيفية وضع العصي في عجلات اقتصاد متعثر أصلاً، ويحتاج بشدة إلى اجتذاب رؤوس الأموال، وتشجيع الاستثمارات، وتسهيل حركة الأعمال. مهمة متابعة هذا الملف والإشراف عليه منوطة بمجلس مؤلف من «حاكم مصرف سوريا المركزي»، و«هيئة مكافحة غسل الأموال»، و«المدير العام للهيئة الناظمة للاتصالات». ويعاني المستثمرون في هذا القطاع صعوباتٍ وتعقيدات لا حصر لها. انفردت «الهيئة الناظمة للاتصالات» بإدارة الملف منذ مطلع العام الحالي، لتبدأ «مرحلة العراقيل الغريبة» في الازدهار. فرضت «الهيئة» رسماً سنويّاً إضافياً قدره 10 ملايين ليرة على كل شركة من شركات التحويل، وهو مبلغ يعادل عمولة حوالات قيمتها نحو 4 مليارات ليرة! الغريب، أن «الهيئة» عرقلت في الوقت نفسه ترخيص أي فرع جديد للشركات القائمة أصلاً، برغم أن الشركات الراغبة في افتتاح فروع جديدة كانت قد تكبدت عناء استحداث مقارّ لتلك الفروع المُرتجاة، وتجهيزها، وتوظيف كوادر بشرية، وفقاً لما يفرضه طلب الاستحداث. قد تكون هذه واحدة من وسائل اجتذاب المستثمرين وتشجيع حركة رؤوس الأموال، والحفاظ عليها، لكنّنا نفهمها خطأً على أنها وسيلة «تطفيش»، وتشجيع على ترك السوق، أو القبول بتجميد الأموال وخسارة التكاليف، في انتظار الموافقة إن صدرت أصلاً! إنّ مضاعفات عدم ترخيص الفروع الجديدة (رغم استيفاء كل الشروط)، لا تقتصر على المستثمرين فحسب، بل تتجاوزهم إلى عرقلة شؤون المواطنين، عبر إضعاف حركة التحويل المالي بين المحافظات، مع ما يعنيه ذلك من صعوبات تطاول الجميع، بدءاً بمن يرغب في تحويل مبلغ مالي هو جزء من مصروف عائلته، وليس انتهاءً بمن يرغب في سداد ثمن بضائع اشتراها من محافظة أخرى. ذلك التعطيل، جاء (بمحض الصدفة؟) في مصلحة شركة أو اثنتين، بشبكة فروع كبيرة مرخّصة سابقاً. المفارقة الأكبر، أن قيام شركة ما، بنقل أحد مقارها (المرخصة سابقاً) من حيّ إلى آخر، سيحتاج منها تقديم أوراق ثبوتية، وإجراء معاملات، والحصول على موافقات تماثل تلك التي تطلّبها تأسيس الشركة! ثم لماذا يحدد سقف المبلغ المسموح تحويله بمليون ليرة سورية فقط؟ (نحو 1600 دولار فقط!). هل يستطيع صاحب تجارة صغيرة تسديد ثمن «بضاعة جملة» بمبلغ كهذا؟ أو أن يحول أحدنا مثلاً تكلفة عمل جراحي لوالدته المقيمة في محافظة أخرى؟ المبلغ المذكور بات عادياً جداً، في ظل التضخم المستمر، وهو بالفعل لا يفيد في كثير من الأحوال. ثمة مكاتب تجارية تسدد فواتير كهرباء بمئات آلاف الليرات، وإذا ما اعترض أحدٌ على ارتفاع الفاتورة، جاء الجواب مرتبطاً بالتضخم وارتفاع سعر الدولار وزيادة أكلاف توليد الكهرباء، ألا ينطبق الأمر على كل مناحي حياة السوريين، ومن بينها ما يستدعي تحويل الأموال بين المحافظات؟ الأمر المثير للاستغراب فعلاً، أنه في وسع من يريد تحويل مبلغ أكبر أن يقوم بذلك، إذا ما جزّأ المبلغ نفسه على حوالات عدة! بعبارة أوضح، يمكنك تحويل مبلغ 6 ملايين ليرة مجزّأً على أربع حوالات، ويُمنع عليك تحويله دفعة واحدة. لماذا؟ ما الحكمة من ذلك؟ لا ننصحك أبداً بالتساؤل أو البحث عن الإجابة، وفّر جهودك لأمور مُجدية. هل نحدثكم أيضاً عن شركات الحوالات الخارجيّة، والإصرار على منعها من تسليم الحوالات بالقطع الأجنبي، بل بالليرة السورية ووفق سعر الصرف الرسمي (يقلّ عن سعر الدولار الفعلي بمئتي ليرة!). هل هناك حاجة إلى عبقرية كبيرة لندرك أنّ إجراءات كهذه كفيلة بازدهار سوق «الحوالات السوداء»، ولجوء السوريين إلى طرق ملتوية، غير آمنة، ومخالفة للقانون، لكنها وسيلتهم شبه الوحيدة لإيصال مساعداتهم إلى ذويهم من دون خسارة ثلث قيمتها؟

0 تعليق

التعليقات