«أنشودة عربيّة للمستقبل»

  • 0
  • ض
  • ض

في الأسابيع الأخيرة استعدتُ صداقةً قديمة. صداقة قد يصحّ القول إنّها «سريّة»، فطرفها الآخر حفنة أغنيات ظلّ تداولها (لأسباب غامضة، لكنها مفهومة) محدوداً، وبطريقة تُذكّر بتداول المنشورات السريّة. أغنيات، هي نتاج مشروع اسمه «أنشودة عربيّة للمستقبل»، أُنجز في ثمانينيات القرن الماضي، بالتشارك بين الملحن الكبير، المغبون، الراحل، رضوان رجب، والمطرب الاستثنائي المعتزل فهد يكن. «أنشودة عربية للمستقبل»، أردّد اسم المشروع وأوقن أننا نعيش في «المستقبل» الذي صُنعت من أجله تلك الأغنيات. تتزايد أنباء التوقيفات والاعتقالات، ويضجّ الناس بالمطالبة بالحرية لفلان وفلان، فأستمع إلى يكن يغنّي من كلمات أحمد دحبور «انتبهوا جيداً أيها الموتى، لقد بتنا نتذكر الحرية كثيراً في هذه الأيام، وحين يتذكر الناس الحرية فهذا يعني أن شيئاً خطيراً يحدث في العالم»، أعيد الأغنية إلى أوّلها: «انتبهوا جيّداً: إنّهم يموتون على الهواء مباشرة!». أنهمك في الاشتغال على ملفّ يخصّ اللاجئين، وأتذكر واحدة من أغنيات «المستقبل» كلماتها قصيدة محمود درويش: «طردوه من كل المرافئ، أخذوا حبيبته الصغيرة، ثم قالوا أنت لاجئ». أتابع مستجدّات الأخبار، وأصغي إلى أغنية أخرى، كلماتها مأخوذة من قصيدة لدرويش أيضاً «غابة الزيتون كانت دائماً خضراء، كانت يا حبيبي. إنّ خمسين ضحيّة جعلتها في الغروب بركةً حمراء». تسترجع صداقتي القديمة ألقها، أعاين خارطة البلاد، وأتأمل في الوقت ذاته كيف حلّق رضوان رجب عالياً وهو يلحّن كلمات أحمد دحبور: «عيني يا عيني يا وطني، يا فاتحة الأمل القتّال وفاتحة الشجن. أترجل عندك بعد رحيلي فيكَ فلا ألقاك، فهنا تترصدّني الأسلاك، وهنا يستوقفني الحرس الطائف، والموت هناك». تنتقل قائمة التشغيل تلقائيّاً إلى أغنية أخرى، قصيدة لسميح القاسم: «عنقي على السكّين يا وطني ولكنّي أقول لك انتظرني، ويداي خلف الظهر يا وطني، مقيدتان ولكنّي أغني... أأشد أزرك أم تراك تشدّ يا مغدور أزري؟». أقرأ اسم الأغنية التالية في القائمة، فأتجاوزها من دون الاستماع إليها. أيكون ذلك لأنّها لا تنتمي إلى المشروع نفسه؟ أم لأنها أُعيدت مراراً وتكراراً على الشاشات، بما ينفي عنها سمة «المنشورات السريّة»؟ أيكون لأن مطربةً تُشارك يكن في غنائها؟ أم لأنّ أفيون «المجد» مزروع فيها إذ تُصبّح بـ«الخير» على «وطن يسير بمجده العالي إلى الأعلى؟». ألكلّ ذلك؟ لا أدري، غير أنني أتجاوزها ببساطة إلى الأغنية التالية. أردد، مع يكن ورجب، من قصيدة ممدوح عدوان «إنّها السوق، والباعة ازدحموا، صخبوا في جنون. كل شيء يُباع... نبض الكرامة، رجع الغناء... الظنون. وضجيج المساومة امتدّ حتى المقابر».

0 تعليق

التعليقات