شادي و«آخر صلبان» دير الزور

  • 0
  • ض
  • ض
شادي و«آخر صلبان» دير الزور

الرحلةُ إلى «كنيسة السيدة العذراء» في مدينة دير الزور شرق سوريا ترسم دروباً من الآلام. فجّر تنظيم «داعش» الكنيسة غداة سيطرته على أجزاء واسعة من المدينة عام 2013، ساحة المذبح هي كل ما بقي من الكنيسة. الدمار سيد المشهد، باستثناء بقايا جدران لا تزال قائمة، ربما أخطأها التفجير. بخطوات متثاقلة يسير شادي توما، ابن دير الزور، باتجاه ساحة المذبح، يرمق سقف الكنيسة التي كانت لوحة فنية مزخرفة. عاش الشاب الثلاثيني حصار «عروس الفرات» بكل تفاصيله. يقول إن صموده في دير الزور كان «رسالة إلى العالم»، وكأن مصيره «توحد مع صليب الكنيسة ليغدو ميلاداً جديداً». يحكي الشاب لـ«الأخبار» عن شغفه بمدينته: «ليس لسحر جمالها، بل لأنها تسكنني قبل أن أسكنها. هي مدينة الحب والحرب. الحياة فيها غير الحياة». شكّل شادي نموذجاً فريداً للتحدي، آثر البقاء في مدينته، برغم نزوح جميع رعايا الكنيسة (نحو 300 عائلة)، ليكون «المسيحي الوحيد الباقي في الدير»، وفق تأكيده. يستذكر توما الحصار بتندّر، قائلاً: «من أظرف اللحظات وسط الحصار أن تكون معدتك خاوية، فتؤنسك قرقعتها في ظلمتك ووحدتك». خلال الحرب على مدينته، دأب الشاب على الانطلاق كل صباح لتوثيق ما يجري من عمليات عسكرية، لكونه مراسلاً لإحدى الإذاعات السورية. «مساحة الرقعة الآمنة في دير الزور آنذاك لم تتجاوز كيلومتراً مربعاً واحداً»، يقول. ويضيف: «لكنها كانت ملاذاً آمناً رغم المحيط الملتهب حولها، احتوتنا بكل مآسينا. برغم الجوع والأهوال التي عشناها، ووداعات رفاقنا الذين ارتقوا تباعاً من جراء قذائف الإرهابيين، كنا نعود إلى حياتنا الروتينية». يلخص شادي لحظة فك الحصار عن مدينته «المحن تتلوها المنح. لذلك لم نفقد الأمل بفك الحصار، وكنا نبصر نور القيامة». لشادي معشوقة جميلة، هي آلته الموسيقية (الغيتار)، التي آنسته في ليالي الحصار. اليوم، عاد عدد من أبناء المدينة إليها، بعد أن رحل «الطاعون». يؤكد شادي أنّ «العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في المدينة ما زالت متناغمة، وأشبه بنوطة موسيقية مترابطة على أساس المحبة». بعد فكّ الحصار انتقل شادي إلى العمل في المجال الانساني، فعُين مديراً لمستوصف «هيئة مار أفرام السرياني البطريركية للتنمية». عن عملهِ يقول: «وظفتُ محبتي لأرض الدير لمحبة سكانها، فإن لم تحب الناس فلن تستطيع تقديم المساعدة». المستقبل بالنسبة إلى الشاب «يتجلى في جسر ونهر بضفتيه، وأناس بسطاء يتناغمون فيما بينهم».

0 تعليق

التعليقات