يقف إبراهيم سنجار (66 عاماً) أمام صندوق أحمر، وُضع قُبالة دير «مار تقلا» في معلولا، وكُتب عليه «صندوق رسائل... يفرّغ هذا الصندوق من محتوياته يومياً من الساعة التاسعة صباحاً حتى الثانية عشرة ظهراً». مضى أكثر من ثلاثين عاماً منذ آخر رسالة تلقّاها الرجل عبر «صندوق البريد». كانت رسالة تذكارية بمناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة، وردّ بمثلها عبر الصندوق ذاته، إلى أحد أصدقائه المقيمين في الإمارات العربية المتحدة. يستذكر رسالته الأخيرة «كانت بخط يدي وبالقلم الأزرق. بدأتها بالتحية، ثم كتبت جملاً إنشائية مستعيناً بابني الأكبر»، ويضيف «أرسلتها قبل عشرة أيام من نهاية السنة، كي تصل في موعدها».يذوب إبراهيم في الماضي. يُغمض عينيه، وهو يتحدث عن مئات الرسائل والصلوات المكتوبة التي كانت تصل إلى دير «مار تقلا»، ويحنّ بشدّة إلى زمان «كانت فيه للوقت قيمة ما». يقول: «هنالك متعة في الانتظار، ربّما لم يعِها هذا الجيل في عصر سُمّي عصر السرعة. كنتُ أتوق إلى كتابة الرسالة، والتفنّن في اختيار الكرت المرفق معها، ووضع الطوابع. وكنّا ننتظر ساعي البريد الذي يحمل دائماً الأخبار القادمة من بعيد».
يملكُ إبراهيم هاتفاً محمولاً صغيراً، ولا يحمله برفقته دائماً، لكنه بات الوسيلة الوحيدة للتواصل مع ابنه في أوروبا. يرى أن «التطور مفيدٌ أيضاً، ولا بدّ من مواكبته. أرسل الرسالة في هذه اللحظة، وتصل بعد ثوان معدودة». يبتسم ويضيف «ربّما هذا الزمان ليس زماننا». يطرق سنجار على ظهر الصندوق الأحمر ثلاث مرّات، فيخرج صدى يشي بخلوّه من الرسائل، ويقول ختاماً: «هذا الصندوق خالٍ من الرسائل، لكنه يختزن الكثير من الحكايات والذكريات».