رغم كل مشتِّتات العرض المسرحي من مؤثرات صوتية وضوئية وجمهور، وقف تسعة عشر طفلاً من أطفال التوحُّد على خشبة المسرح، وأدّوا بطولة مطلقة لمسرحية «وجهان». قُدمت المسرحيّة على خشبات مسارح دمشق واللاذقية وطرطوس، وسط احتفاء كبير من الجمهور، ضمن فعاليات «الشهر العالمي للتوعية حول اضطراب التوحد». هكذا، كسر أطفال «مركز التوحد» في «منظّمة آمال للأشخاص ذوي الإعاقة»، كل الأحكام المسبقة عنهم، بعد جهود وتحضيرات استمرّت أربع سنوات. قام بإخراج «وجهان» نجيب حبّال، وهو «مدرب الدراما في منظمة آمال». يقول حبال لـ«الأخبار» إن «المسرحية جاءت بعد أربعة عروض مسرحية داخل المنظمة، لتتوَّج بخروجها إلى الجمهور. وتحمل رسالة مفادها: تعالوا نشاهد نتيجة إيماننا بأطفال التوحد». توضح «مديرة مركز التوحد في منظمة آمال» باسمة شاهين، لـ«الأخبار» سبب اختيار المسرح دون غيره من الفنون، بالقول «العرض المسرحي هو بمثابة تحدٍّ حقيقي، وليس سهلاً حتى للممثلين الأكاديميين، فكيف بأطفال التوحّد؟ النجاح كان مذهلاً، ومحفّزاً للعمل بجهد أكبر». تقول شاهين «يندرج منهاج الدراما ضمن الخطة التربوية التي أُعدَّت لتدريب أطفال التوحد، باستخدام تقنيات الدراما، للتركيز على مواهبهم»، وتضيف «منذ أربع سنوات كنا نمسك يد الطفل لينفذ دوره المسرحي، أما اليوم فيؤدّيه بلا أي مساعدة». يكشف تقرير نشره «مركز الوقاية والتحكم بالأمراض/ CDC» ارتفاع نسبة الإصابة باضطراب طيف التوحّد، إلى حالة بين كل 59 طفلاً. ولم تُظهِر الدراسات أي علاقة بين الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو العرقي، وبين اضطراب طيف التوحّد.
تكلّفت الفنانة التشكيلية شهيدة سلوم كثيراً، بسبب تأخر اكتشافها إصابة ابنها كنان بالتوحد، ففاتته مراحل تدريبية كثيرة. حملت سلّوم ابنها إلى «الجمعية اللبنانية للتوحد» عام 2000. ألهمتها المعاناة ضرورة عمل شيء من أجل أطفال التوحد في اللاذقية، فبادرت إلى تأسيس «جمعية التوحد في اللاذقية»، وتجهيزها بالمختصين والمدربين والمعدات. مع بدء الأزمة السورية عانت الجمعية نقصاً حاداً في المختصين. لم تيأس سلوم، وسعت إلى ترميم كل نقص. تقول لـ«الأخبار» إن «توجُّه المجتمع للاهتمام بأموره الأساسية، في ظل ظروف صعبة يعيشها السوريون، تسبب بإهمال قضية التوحد، فضلاً عن الخلل الأسري الكبير بسبب عدم تقبل أحد الأبوين لحالات التوحد، في حين يكمن الحل في تقبّل العائلة الأمر، وبدئها تدريب الطفل». وبذلت أم كنان جهداً مضاعفاً لاستقطاب متطوعين يؤمنون بالعمل في سبيل هؤلاء الأطفال، إضافة إلى تعريف المجتمع باضطراب التوحد، عبر المسير السنوي الذي توقّف عام 2011، وعاد مع تحسن الأوضاع الأمنية عام 2018.
ينحني أطفال التوحد مع نهاية عرضهم المسرحي للجمهور، لنتخيّل كلمات قالوها من دون أن ينطقوها «نستطيع التواصل رغم صمتنا، والتعلم رغم خصوصيتنا، والوصول رغم ضعفنا. نستطيع ونستطيع إذا كنتم معنا».