يقف المزارع يوسف السلوم، على قارعة الطريق الأسفلتي، في قريته «المليحية» إحدى قرى «جنوب الرد»، في ريف القامشلي الجنوبي. يتأمل الرّجل تعب عام كامل، وقد غمرته مياه السيول، لتتلاشى الآمال بموسم نادر لم تشهده المحافظة منذ عقود.  يقول السلوم لـ«الأخبار» إن «كل شيء هذا العام كان يوحي بأننا سنظفر بموسم نتحدث عنه لأجيال قادمة، زرعت 551 دونماً بالقمح والشعير». ويضيف متحسّراً: «لكنها مشيئة الله، جاءت السيول وحوّلت زراعاتنا إلى أرض لا تنفع إلا للرعي. لقد تلف كامل المحصول». يأمل الرجل الحصول على الحد الأدنى من التعويض، يقول: «أرضي مرخصة لدى الحكومة، ووعدونا بالتعويض قريباً». وعلى طول المسافة بين ريفي «تل براك» و«تل حميس»، الأشدّ فقراً في ريف القامشلي، يتكرر مشهد غمر الأراضي والمنازل الطينية بالمياه التي غمرت المنازل والأراضي الزراعية بنحو شبه كامل، في 33 قرية. وشهدت المنطقة في الأسبوع الأول من الشهر الجاري تساقطات مطرية غير مسبوقة، خلّفت أضراراً مادية وزراعية كبيرة، بالإضافة إلى وصول مخازين سدود المحافظة إلى الحد الأعظم، وتضاعف معدل الأمطار السنوي. في قرية «الفرحانية» يتجمع عدد من الأهالي، لنقل أثاث المنازل إلى أماكن لم يصلها السيل بعد، ويقول أحد سكان القرية: «معظم المزروعات ذهبت مع السيل، خسرنا أثاث منازلنا وزراعتنا، ونأمل من دولتنا التعويض». تقع القرى التي لحقتها الكارثة تحت سيطرة «قوات سوريا الديمقراطيّة»، وعانى السكان من تأخر الاستجابة العاجلة التي قدمتها جهات تابعة للحكومة السورية، وفرق «الهلال الأحمر السوري»، وحصل التأخير من جرّاء تلكّؤ «الإدارة الذاتيّة» يومين متتاليين، قبل السماح للكوادر بدخول المنطقة المنكوبة. وبعد انحسار موجة السيول، تعمل لجان حكومية على الكشف عن الأضرار، لتبيان الارقام الدقيقة للقرى والمساحات الزراعية التالفة، وبحث إمكانية تعويض المتضررين، استناداً إلى أنظمة «صندوق الجفاف والتخفيف من الكوارث الطبيعية». وتشترط تلك الأنظمة أن تكون نسبة الضرر أكثر من 50% من كامل المساحة، لاستحقاق التعويض. يوضح «معاون مدير الزراعة» في الحسكة، المهندس رجب السلامة أن «الأضرار طاولت 81 ألف دونم، في قرى وبلدات تابعة لبلدتي القحطانية وتل حميس. تواصل اللجان عملها لجرد الأضرار، سعياً إلى تعويض المستحقين». ويضيف: «عموماً الموسم جيد، ويتوقع أن تنتج المحافظة كميات وافرة من محصولي القمح والشعير، إذا ما استمرت الظروف الجوية المناسبة». وتُعدّ محافظة الحسكة «العاصمة الزراعية» لسوريا، إذ تنتج سنوياً أكثر من نصف إنتاج البلاد من محصولي القمح والشعير، وهي نسبة ارتفعت إلى أكثر من 90% خلال سنوات الحرب، مع خروج مساحات واسعة من مناطق زراعة المحصولين عن سيطرة الحكومة السورية.