يسحب أحمد الكردي صورته الموجودة داخل الخزانة المجاورة، ويرفعها إلى جانب وجهه الذي كوّرته التجاعيد، وشعره المغزول بالشيب، وعينيه اللتين غارتا تحت نظارة سميكة، ويردّ على سؤالنا «هذا ما فعلته الحرب». وكحال عشرات عوائل بلدة ببيلا (جنوبي دمشق)، نزح أبو عبدو مع عائلته تاركاً وراءه رزقه ومسكنه في المنطقة التي توارثت السيطرة عليها مجموعات مسلّحة عدّة، إلى أن دخلها الجيش السوري في العام الحالي.يقول أحمد في حديثه إلى «الأخبار» إن سنوات الحرب «جمعت كلّ السوء من كل أطرافه، فقد شرّدتنا، وسلبتنا، وحرمتنا من أرزاقنا وأبنائنا، وغيّرت ملامح حارتي وبلدتي، فكيف لا تغيّر ملامح وجهي!». بلغ أبو عبدو السبعين من عمره، ولا يزال يعمل في زراعة أرضه والاعتناء بها بعد طول إهمال، لكنّه يشعر بثقل أكبر على جسده بعدما تغيّرت أحواله، ولا يتوقف عن الدعاء للقاء أبنائه المهاجرين مرة أخرى. يبتسم الجدّ السبعيني حين يرى حفيدته ماسة وقد بلغت عامها الأول في الحياة، يلاعبها ويخشى على وجهها من أصابعه الخشنة. يقول «الحرب طالت، لكنّ أجمل ما فيها أنها انتهت» يصمتُ لحظات، ويضيف بصوت خافت «إن شاء الله».