داريا | قوائم يومية تنظّم عملية دخول أهالي داريا إلى مدينتهم الموحشة، بما يكفل توثيقاً مؤقتاً لحقوق الأهالي وملكياتهم. الحكومة ممثلة برئيسها حضرت في المدينة خلال انتخابات المجالس المحلية، وسط تزايد شكاوى الأهالي. وحتى اليوم، لا تزال الأنقاض والخرائب أوّل ما يستقبل العائدين إلى منطقة الفرن الآلي ومحيطه، كما لو أن السوريين لم يهلّلوا طوال العام الذي مر لأعمال التأهيل والترميم عبر متطوعين وعمال البلدية.صناديق انتخابية ستة أُحدثت في داريا، اتخذت من جوامع ومدارس تم تأهيلها خلال أشهر الصيف مقارّ لها. ولكن، لا المدارس احتضنت طلابها مع بدء العام الدراسي، ولا مصلّون في تلك الجوامع التي جرى الاستعجال في ترميمها. وفي وصف أدق، لا حياة في المدينة التي لا تزال خالية من أهلها. العملية الانتخابية سارت في داريا على «ذوق» دمشق الرسمية، بحضور رئيس الوزراء عماد خميس ولفيف من أعضاء حكومته، وبحضور محافظ ريف دمشق ورئيس مجلس مدينة داريا. وأجرى المسؤولون عملية الاقتراع في المدينة وسط حشود شعبية، في رسالة سياسية تشي بـ«عودة المياه إلى مجاريها» بين المواطنين والدولة. استمع بعض الرسميين إلى شكاوى جمع من الأهالي الحاضرين، ومُنحت وعود بحل كل المشاكل العالقة.

ركام... وبطاقات دخول
في مطلع الشهر الجاري، أعلن رئيس مجلس المدينة تصديق العقد الخاص بتنفيذ مدخل داريا بتكلفة مليار ليرة سورية. لا تنافر بين كلامه والصورة الحالية المتمثلة بسرعة ترحيل الأنقاض من الشوارع الرئيسية، والركام الذي يغطي بعض الشوارع الفرعية والأحياء الأبعد عن المدخل الرئيسي. عام مضى إذاً، ولا تزال داريا «مدينة أشباح». وإذ يُسأل عن السبب، فإن كل جهة تضع اللوم على الأخرى، فالبلدية تنشر كل بضعة أيام قوائم لأسماء لا تتجاوز الـ 500 من الأهالي النازحين عن المدينة لمنحهم بطاقات دخول بهدف تفقد منازلهم وأحيائهم.
أعلنت البلدية أن مرحلة تنظيم الدخول ستنتهي قريباً

وبينما تُوجَّه أصابع الاتهام في تأخير عودة الأهالي نحو الجهات الأمنية، فإن الشؤون الخدمية ليست اختصاصاً أمنياً بأي حال. ولن يعود الناس قبل استكمال الحكومة تأمين الخدمات اللازمة، بما يجعل المكان صالحاً للحياة. وما بين كثرة اللوم المتبادل، يتساءل الواصلون إلى منازلهم من حاملي البطاقات، من الذي لا يزال يسرق بيوتنا؟

«التعفيش باقٍ ويتجدّد»
«زارت» فاطمة بيتها مرتين منذ فتح باب الدخول إلى البلدة، لتكتشف تناقص أغراض البيت في كل مرّة. تبتسم المرأة وتقول: «هذا التعفيش ليس الذي سمعنا عنه وعانينا منه سابقاً. يبدو أنه تعفيش جديد. لعلّ هُناك من يفتقد أغراض منزله فيعوّضها من أغراض جيرانه المتبقية». يرتسم الحزن على وجهها، وهي تتحدث عن استقرار لا يبدو قريباً في المدينة، رغم معاناتها وعائلتها مادياً من جراء الإيجارات المرتفعة في العاصمة دمشق. يتوافق كلام المرأة مع رأي أم محمد، ابنة المدينة الخمسينية، إذ تتساءل عن إمكانية تأهيل المنازل بالنسبة إلى من بقي مهجراً طوال خمس سنوات، بلا عمل أو مردود مادي. لا تخفي المرأة فرحتها بالإعلان عن العودة بعد فراق طويل سبّبته سيطرة «حكام المدينة» السابقين من المسلحين الخارجين إلى إدلب، لكنّها تستدرك قائلة: «فرحنا بالأول. بس وين إيام الخير يا داريا؟».
عشرات من الأهالي ينتظرون بالتزامن مع كل إعلان عن توزيع بطاقات الدخول على عدد من العائلات، وقد حمل كلّ منهم أوراق إثبات الملكية ودفتر العائلة أو بياناً عائلياً. بعضهم لم ينشر اسمه، لكنه مضى على أمل غريب، بأن تثمر رجاءاته للمعنيين بالسماح له بالدخول عبر المدخل المفتوح على «المحلق الجنوبي». اعتذارات البلدية متواصلة، كما تأكيداتها أن «لا علاقة لها بالأسماء أو ترتيبها أو تعديلها، بل هي معنية بنشرها فحسب». وعليه، يمنع الدخول حالياً لمن لم يرد اسمه في القوائم. لكنّ البلدية أعلنت أن مرحلة تنظيم الدخول ستنتهي قريباً، ليتمكن أي كان من الدخول إلى المدينة، بما يكفل دخول حوالى تسعة آلاف شخص خلال أقل من شهر. ومع اعتراض البعض على إجراء انتخابات مجلس المدينة الخالية من أهلها، فإن التأكيدات الرسمية شددت على قدرة أي مرشح من المدينة على الحصول على أوراق الترشح خلال يوم واحد، وسط تسهيلات منحت للراغبين في الترشح من داريا. وبكل الأحوال، فقد قوبلت عملية الاقتراع في المدينة بتفاعل منخفض، كما كان متوقّعاً، باستثناء التهليل للزيارة الرسمية، ومع انتهاء «العرس الديموقراطي» عادت المدينة إلى وحشتها.