«معرض دمشق الدولي» حدث سياحي أم اقتصادي؟

  • 0
  • ض
  • ض

يمكن توصيف «معرض دمشق الدولي» بأنّه أهم المعارض في البلاد من النواحي اللوجستية وأشدّها تواضعاً من الناحية الربحية. ظلّ المعرض في كثير من نسخه أشبه بمهرجان منوّع قادر على استقطاب زوار لا علاقة لمعظمهم بالاقتصاديّات الصناعية أو التجارية، وكان أقرب إلى «ملتقى الأسرة السورية»! على حدّ تعبير مدير «المؤسسة العامّة للمعارض والأسواق الدوليّة» فارس كرتلي. في حديث مطول، يُبدي كرتلي تفاؤلاً كبيراً بمُعطيات الدورة الستين (تنطلق بعد أيّام)، لا سيّما مسألة المشاركة الخارجيّة. في الواقع، إنّ الإقبال الخارجيّ على المشاركة يُستدلّ به على شيئين أساسيين: أوّلهما أنّ الأوساط الاقتصاديّة العالميّة تتعامل مع الحرب السوريّة على أنّها في مرحلة الخواتيم، والثاني تصاعد الرغبة في العمل في سوريا باعتبارها سوقاً جذابة تحتاج إلى كثير من المنتجات والخدمات. بطبيعة الحال، لا يمكن القياس على حجم واردات الدورة الماضية التي جاءت بمثابة حدث احتفالي بعودة المعرض إلى نشاطه، بسبب الظروف الموضوعية التي كانت تمرّ بها البلاد. قاربت العائدات الماليّة المباشرة 350 مليون ليرة (حوالى 700 ألف دولار حسب سعر الصرف في العام الماضي)، وفقاً لكرتلي، جاءت من أجور حجز مساحات الجهات العارضة، وعائدات الحفلات الغنائيّة. وهي عائدات لا تكاد تكفي نفقات المعرض المباشرة. لا أرقام واضحة عن قيمة نفقات الوزارات المختلفة (النقل، الإدارة المحليّة، السياحة.. إلخ) لدعم المعرض، من تخفيضات على الحجوزات الفندقية، وتكاليف استضافة المدعوين (تذاكر طيران وإقامة كاملة)، وتكلفة النقل المجاني من موقع المعرض وإليه، ولا سيما مشروع تحديث السكة الحديدية. ومن المتوقع أن يبلغ حجم هذه النفقات ضعفَي نفقات إنشاء المعرض، فهل يُمكن اعتبارها استثماراً ناجحاً؟ يمكن المصاريف الحكومية الوقوعُ في فخ الإنفاق الزائد بهدف إيصال رسائل سياسية، وقد يكون هذا مبرّراً أحياناً، لكن التكرار مشكلة ستسبب إرهاقا إضافياً للاقتصاد على المدى المتوسط. إنّ النظرة السائدة إلى المعرض تضعه في خانة المهرجان، أو الحدث السياحي، لا في خانة الفعالية الاقتصاديّة المولّدة للمال.

رجال الأعمال يحتاجون إلى رسائل طمأنة استثمارية وتصديرية وأمان في حركة الشحن

السؤال الذي يفرض نفسه: ما الذي يمنع تأديته الوظيفتين معاً؟ يمكن تحقيق ذلك عبر إجراءات عدّة، أهمّها تخفيض نفقات استقبال «ضيوف المعرض»، لا سيّما رجال الأعمال، وضبط النفقات الهامشيّة. إن الفعاليات الاقتصادية الخارجية الراغبة في دخول السوق السورية تدرك تماماً حجم المنفعة المالية المتوقّعة، ورجال الأعمال يحتاجون إلى رسائل طمأنة استثمارية وتصديرية وأمان في حركة الشحن أكثر من حاجتهم إلى دعوة مدفوعة النفقات. هم في حاجة إلى بضائع بأسعار جيدة وتسهيلات متعددة. إنّ أحد أهم مقاييس نجاح المعرض اقتصاديّاً هو حجم العقود التي سيتم توقيعُها وراء الكواليس، ومدى نجاح الدورة العتيدة في التحوّل إلى بوّابة تصدير تجلبُ القطع الأجنبي، وتدعم قطاعي الزراعة والخدمات، وتُحرّك أعمال القطاع الصناعي (أشد القطاعات الاقتصاديّة تضرّراً). لا بدّ من العمل على دعم الصناعي ومراقبته ضريبيّاً، في الوقت نفسه. نحتاج إلى تشريعات تدعم المعرض بكشف أوراق العقود التصديرية لسحب الضرائب الإنتاجية. طبعاً لن يجازف أحد في التبذير بعرض الشحن الجوي المجاني، هذا هو «جوكر» معرض دمشق الدولي الوحيد في نظر الاقتصاديين الذي يغفر لغيابات كثيرة من حوافز التشجيع التصديري في المعرض ذاته. بمعنى أوضح، يحتاج إنجاح المعرض في الدرجة الأولى إلى دعم من وزارتي الاقتصاد والمالية وإشراف مباشر من «هيئة الاستثمار». وهو، بشكل أساسي، يحتاج إلى التعاطي معه بوصفه فرصة اقتصاديّة تستوجب تطويع كل الممكن، وتوظيف هذه المناسبة كنقطة بدء لـ«إعادة إعمار الاقتصاد السوري».

0 تعليق

التعليقات