«الله وكيلك عندي ورشة خياطة وعم إدفع كل أسبوع 20 ألف حق الأمبيرات (اشتراك كهربا خاص) والله حرام»، يقول أحد سكّان الأحياء الشرقيّة في حلب الملتاعين. لا يمثّل الرجل حالة فرديّة، بل ينسحب كلامه على كل سكّان الأحياء التي تتجاوز مساحتها نصف مساحة المدينة بقليل. وبرغم أنّ قرابة عشرين شهراً انقضت على عودة تلك الأحياء إلى كنف الدولة السوريّة، فإنّ لازمةً واحدة تتكرّر على لسان الجميع: «ما في كهربا، ووضع المياه سيئ». اللافت أنّ الصورة في معظم وسائل الإعلام المحليّة (ولا سيّما ما يرد عبرها من تصريحات المسؤولين) تبدو شبه مثاليّة، وتُبشّر بأنّ «الواقع الكهربائي في حلب شهد تحسّناً كبيراً، وسيشهد المزيد». ولا يجافي هذا الكلام الحقيقة سوى في تفصيل جوهري، فالتّحسن المذكور شعر به سكّان الأحياء الغربيّة فحسب. ويبدو أنّ التعامل الخدمي مع حلب لا يزال قائماً على الاهتمام بنصف المدينة، وإهمال النصف الآخر ببساطة (كما كان منذ عام ونصف عام). ثمّة أسباب حقيقيّة تعيق وصول التيار الكهربائي إلى الأحياء الشرقيّة وتتمحور جميعاً حول الانهيار الحاد الذي أصاب البنية التحتيّة فيها. وعلى امتداد سنوات سيطرة المجموعات المسلّحة، تم نهب «الكابلات» الكهربائيّة والمحوّلات في جميع الأحياء، علاوة على تضرّر كثير من الأعمدة وغرف التوتّر العالي. يعي الحلبيوّن هذا الواقع جيداً، لكنّهم يتساءلون: «إلى متى؟». ويحضر على ألسنة سكّان الأحياء المتضرّرة تفسير واحد لواقع أحيائهم، يتمحور حول «نظريّة المؤامرة». يرى متبنّو هذه النظريّة أن أصحاب المصلحة المباشرة في عدم عودة التيار الكهربائي ولو جزئيّاً هم «تجار الأمبيرات»، ويربطون بينهم وبين عدد من أصحاب القرار الذين «يؤخرون وصول الكهرباء في مقابل منافع يحصلون عليها». ثمة وجه آخر لـ«المؤامرة»، ترى بعض الآراء أنّه «يستهدف الدولة، يريد بعض الفاسدين ألّا نشعر بأي تحسّن عمّا كان الوضع عليه أيّام سيطرة الإرهابيين». يقول مصطفى لـ«الأخبار» إنّ «ما يثير العجب هو وصول الكهرباء إلى دير الزور، وريف دمشق، وغيرهما من المناطق التي تحرّرت بعد حلب بكثير».
اعتذر صالح عن عدم الخوض في هذه التفاصيل لأنّه «في دمشق ومشغول»

ويضيف «خيو، الله يهنيهم والله منفرحلهم وما منحسدهم، بس إش يعني نحن ولاد البطة السودا؟». ولا يبدو أنّ هناك تحرّكاً حكوميّاً حقيقيّاً في ما يخص إصلاح البنية التحتيّة الكهربائيّة، أو ترميمها، باستثناء أجزاء من بعض الأحياء. وفي خلال الشهر المنصرم، زار وزيرا الكهرباء والموارد المائيّة محافظة حلب وتابعا عدداً من المشاريع الكهربائيّة، غير أنّ كل تلك المشاريع تتعلّق بتحسين «الوارد الكهربائي» إلى حلب، من دون الإشارة إلى الأحياء الشرقيّة «المنكوبة» وبُناها التحتيّة. تواصلت «الأخبار» مع المدير العام لـ«شركة كهرباء حلب» محمد صالح للوقوف على تقويم الشركة للواقع الكهربائي في الأحياء الشرقيّة وخططها على هذا الصعيد. واعتذر صالح عن عدم الخوض في هذه التفاصيل لأنّه «في دمشق ومشغول». مع إلحاحنا وسؤالنا «هل وجودكم في دمشق يعني أنكم لا تملكون فكرة عن واقع الكهرباء في حلب؟»، قال صالح إنّه «يملك فكرة طبعاً»، لكنّه في اجتماع. اتفقنا على معاودة الاتصال بعد ساعة، لكنّ الهاتف كان خارج نطاق التغطية. بدوره، أكّد «مدير فرع المنطقة الشماليّة لمؤسسة نقل الكهرباء» حسام حاج إسماعيل لـ«الأخبار» أنّ «الواقع الكهربائي في حلب أكثر من مقبول، يمكن القول إنه جيد». وأوضح أنّ «حلب تتغذى حالياً عبر الشبكة السورية العامة بما يترواح بين 180 و200 ميغا واط»، ولدى سؤالنا عما إذا كانت هذه الكمية «أقل من حاجة المدينة بكثير»، أجاب «لأ مو بكتير، المدينة تتغذى كهربائيّاً بين 18 و20 ساعة». في المقابل، أجمعت شهادات عدد من سكان الأحياء الغربيّة على أن واقع الكهرباء تحسّن وأنّ التغذية تصلهم بمعدل يتراوح بين 10 و12 ساعة، ما لم تحدث أعطال، وهي تحدث كثيراً. بطبيعة الحال، كان القصد أنّ «نصف المدينة» هو من يتغذّى بالكمية المذكورة، لكنّ مسؤوليّة «مؤسسة نقل الكهرباء» لا تشمل إصلاح البنى التحتيّة في الأحياء (مسؤولية شركة الكهرباء)، وتقتصر على إيصال التيار إلى المناطق المُهيّأة لاستقباله.
مياه الشرب: «نص نص»
تختلف مشكلات التزوّد بمياه الشرب عن نظيرتها الكهربائيّة، فالضرر الذي طاول الشبكة المائيّة أقل بكثير. أسهم ذلك في وصول مياه الشرب إلى كثير من الأحياء الشرقيّة، أو بالأحرى استمرار وصولها، فهي لم تكن غائبةً حتى في أيّام المجموعات المسلّحة. برغم ذلك، لا يزال عدد من الأحياء يعاني انقطاعات طويلة جداً (تصل أحياناً إلى عشرين يوماً). ويكون البديل اللجوء إلى تعبئة الخزانات المنزليّة عبر صهاريج المياه، مقابل ألف ليرة لكل ألف ليتر. تقطن أم محمّد في حي بستان القصر، وتقول لـ«الأخبار» إنها تحتاج إلى تعبئة خزّان منزلها بواسطة الصهاريج ما يراوح بين 6 و7 مرات شهريّاً على الأقل. «والله، وأحياناً أكتر من عشر مرات، يعني بين المي والأمبيرات عمندفع عشرين ألف بالشهر» (نصف راتب موظّف من الفئة الأولى). يقول مدير «مؤسسة مياه حلب» كفاح لبابيدي لـ«الأخبار» إنّ «أكثر من 90 بالمئة من الأحياء الشرقيّة باتت في وضع جيد، ونعمل على إصلاح ما تبقى من الأضرار». يؤكد لبابيدي أنّ «تغذية معظم الأحياء (غريية وشرقيّة) بالمياه تتم بواقع مرة كلّ ثلاثة أيام، وفي بعض الأحيان تتحسّن أكثر». ولا يُعدّ هذا تحسّناً عمّا كانت عليه الأمور قبل عامين، إلا في ما يخص الأحياء التي كانت بُناها التحتيّة متضرّرة وتم إصلاحها.