دمشق | على مدخل دمشق المفتَقد طويلاً، يوقف المسافرون سياراتهم لتأمل المشهد. وعلى طول أوتوستراد حرستا، تلحظ وقوف البعض بدافع الحنين لما كانت عليه الحال سابقاً، والبعض الآخر لاستذكار آخر مشاهد الموت المتناثر على طول الطريق الذي كان معرّضاً للقنص والقذائف، قبل إغلاقه نهائياً منذ سنوات مضت. الخسائر التي وصلت إلى نحو 20 مليون ليرة سورية خلال سنة واحدة من إغلاق الطريق، هي رقم «مقبول» إذا ما قورنت بالخسائر البشرية. زاد عرض الطريق بشكل واضح، بما يوحي بإمكانات هائلة رصدت من أجل عودته إلى العمل، إذ تقدر القيمة الإجمالية لتكاليف إعادة تأهيله، في محيط حرستا فقط، إلى 900 مليون ليرة. غير أن المصادر الحكومية تتحدث عن الحاجة إلى ميزانية هائلة تتجاوز هذا الرقم بكثير، ما يعني طرح المنطقة على جانبي الأوتوستراد لتغدو منطقة تطوير عقاري، لتشجيع رأس المال الاستثماري على إنعاش رئة دمشق الشمالية. فرحة اليوم برؤية الأوتوستراد الدولي، وقد عاد إلى العمل، تتخللها مرارة. يقول أحد المسافرين ساخراً: «والله صار أشرح من قبل... شو بيمنع يكون كل الأوتوستراد هيك وصولاً إلى الساحل؟». يجيبه صوت يائس: «الفساد بيمنع».تتناثر على جانبي الطريق والمفارق المؤدية إليه مشاهد الخراب العظيم التي سادت البلاد طوال سنوات الحرب. آثار شاخصات مرورية مخرّبة، منها ما يدلّ على مناطق ومواقع ما عادت موجودة، أو قد تشير إلى أكوام أنقاض وركام منازل وبقايا سيارات، ومسطحات كانت يوماً خضراء. أما العبور قرب المزارع وتأمّل الأشجار اليابسة المتناثرة، فيشي بذكريات المعارك العنيفة التي خاضها المقاتلون هُنا، والتي تخللتها الكمائن ومحاولات التسلل المستمرة. يتوقع أحد الجنود المسافرين شمالاً باعتباره أحد المقاتلين على جبهات الحجر الأسود (سابقاً)، أن أمان دمشق واحد من إنجازاته ورفاقه. يبتسم أمام الراحة التي يظهرها الناس لفتح الطريق الحيوي من العاصمة وإليها، ويتبادل التحية مع زملائه على الحواجز المتباعدة. يسألونه عن وجهته القادمة، بوصفه من «وحدات الاقتحام»، فيجيب بقليل من التحفظ: «ربما درعا».
عاد الأمل إلى ملّاك الأراضي على جانبَي الطريق الدولي


يتابع السوريون عن كثب تفاصيل عملية تأهيل مدخل دمشق الشمالي. وهم جرّبوا أخيراً طعم توفير الوقت، إذ اختصر افتتاح الطريق الزمن الذي يتطلبه العبور من نقطة تحويل الطريق الدولي عند مفرق بلدة التل حتى وسط دمشق، إلى نحو 15 دقيقة، بعدما كانت تصل إلى 120 دقيقة. يتجلى مظهر الفرح والطمأنينة بفتح الطريق لدى الفلاحين الماضين بسياراتهم، وهم يشحنون الحليب والخضر والفواكه من الريف إلى العاصمة. وصول الفلاحين إلى أسواق العاصمة أضحى أكثر سهولة، بعدما سئموا صعوبات لا تنتهي، وذكريات مؤلمة عن خسارتهم لرفاق ذهبوا ضحايا سعيهم وراء لقمة العيش. وبدا الإعلان عن إعادة افتتاح بعض وكالات بيع السيارات على جانبي الطريق، بمثابة استيقاظ من كابوس الحرب الأليم، والعودة إلى ما كانت عليه الحال سابقاً. رئة دمشق الشمالية، همزة الوصل بين العاصمة ومحافظات الشمال والساحل، لم تتسبّب بليّ ذراع دمشق. ساد الصبر سنوات عديدة، إلى أن جاءت لحظة رصدها السوريون بكاميراتهم وعبر الشاشات لعودة فرق المؤسسات الحكومية وهي تقوم بأعمال تأهيل الطريق مجدداً. إزالة الأنقاض وإعادة البنى التحتية المتضررة في بعض المواضع، وتعبيد الطريق ذهاباً وإياباً وإصلاح المنصّف الوسطي والأرصفة وتركيب أعمدة الإنارة المتضررة، كما وضع العلامات المرورية اللازمة، كلها مشاهد يمكن ملاحظتها على طول الطريق. يأتي ذلك وسط وعود بمخطط تنظيمي قريب يشمل جانبي الطريق، بما يخدم أهالي المنطقة، ويولي اهتماماً خاصاً لوكالات عرض السيارات. أصحاب الأراضي القريبة من الأوتوستراد استردّوا آمالهم ببيع أراضيهم بأسعارها الحقيقية، بدلاً من شبح الاستسلام ليأس الحرب والتخلي عنها بأسعار زهيدة. يعرض يحيى أرضه الصغيرة الواقعة على الأوتوستراد للبيع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وكثيرون مثله عاد أملهم بالاستفادة من أرزاقهم، بعدما كانت تلك الأراضي «بلا مستقبل». يقول يحيى بتفاؤل: «لا أملك ما يجعلني أستثمرها. على الأقل أبيعها بسعر جيد، بعدما ضاقت بنا الأحوال خلال سنوات الحرب. لقد كدنا ننسى أن لنا رزقاً في هذه الأرض». وفيما تواصل مد المجبول الزفتي بين «بانوراما حرب تشرين» وصولاً إلى جسر ضاحية حرستا (الأسد) بطول 4 كيلومترات، جرى تعبيد 17 كيلومتراً من الأوتوستراد الدولي، من البانوراما وصولاً إلى جسر بغداد. يتحدث المهندس بيبرس حاج حسن، صاحب فكرة مشروع مدخل دمشق، عن خطة لاستكمال تأهيل المدخل عبر قيام الورش حالياً بـ«صيانة عقدة ضاحية الأسد، بالعمل على الجانب الطرقي». ويرى حاج حسن أن «المشروع يحتاج الى دراسة معمّقة ومتروية وتعاوناً من مختلف الجهات الحكومية، من خلال ميزانية تمويلية ضخمة واستراتيجية، ووفق مراحل مدروسة بدقة».