طغى الحديث عن ورقة الـ5000 ليرة على كلّ ما سواه من معطيات اقتصاديّة. الكشف عن تشريعٍ مالي يتيح طباعة الفئة النقديّة الأكبر في تاريخ البلاد خلق توتراً لدى شرائح واسعة رأت في ذلك دلالة على انهيار مالي «محتمل»، فهل الأمر فعلاً كذلك؟ تُعدّ طباعة فئات نقدية كبيرة مؤشراً للاستدلال على نسبة التضخم في الاقتصاد المحلي. وبات معلوماً أنّ الحرب أدّت إلى انخفاض القوة الشرائية لليرة السوريّة بشكل كبير. التضخم الذي وصل ذروته مع المعارك المحيطة بالعاصمة، كان قائماً ومتسارع النمو بوتيرة تفوق بأشواط تحسّن النمو الاقتصادي الإنتاجيّ. عادةً ما يولّد التضخم زيادةً في تداول الأوراق النقديّة، ويضاعف عدد الأوراق المُستخدمة في عمليات البيع والشراء اليومي، ما يخلق ضرورة حتمية لاختصار حجم الأوراق النقدية اللازمة لإنجاز متطلبات الحياة اليوميّة، وبالتالي طباعة فئات نقديّة أكبر من الموجود (خاصة في ظل انعدام وسائل الدفع الإلكتروني). تأسيساً على ذلك يمكن القول إنّ إصدار ورقة نقديّة من فئة الخمسة آلاف ليس إجراءً مفاجئاً، ولا هو مؤشّر على انهيار متوقّع الحدوث، بل هو ببساطة اعتراف بالتضخم والانهيار الحاصلَين. هذا النوع من الإجراءات النقديّة لا يُقدم دلالاتٍ على حجم الاحتياطي المركزي، فإصدار فئات جديدة لا يتطلب الطباعة وفق احتياطي مستند يثبت قيمة العملة (خلافاً لما هو الحال عند الرغبة بطباعة وضخّ كميات إضافيّة من فئة نقدية موجودة سابقاً). التضخم مشكلة متجذّرة، ولا يوجد «تضخم قصير الأمد»، والبحث عن حلول مستدامة لن يكون أمراً يسيراً، ولكنّه ليس مستحيلاً. ولا بدّ من التفكير في حلول بعيدة عبر إجراءات مستقبليّة تؤثر في الأسعار جذريّاً (سواء حذف صفر، أو تغيير سعر الصرف، أو سوى ذلك) وبالتزامن مع تحسين شروط الإنتاج. أما الكساد والانكماش فتمكن معالجتهما بشكل أسرع (ينتهي الانكماش، ويستمر التضخّم).
يجب إعادة القروض لمواجهة نموّ بدل الإيجار الذي يلتهم «السيولة الشعبية»

ثمّة ضرورة ملحّة لتحسين الرواتب (عاجلاً وليس آجلاً) لمواجهة الانكماش، إضافة إلى فتح أبواب القروض السكنية لمواجهة أكبر غول يلتهم «السيولة الشعبية» وهو بدل الإيجار. إن توجيه الكتلة النقدية نحو تسديد أقساط سكنية بدلاً من توجيهها نحو تسديد إيجارات هو ما يثبت رأس المال الجديد لدى الفئات الشعبية (وهي الغالبيّة) التي تضررت من الحرب ولم تتورط بتجارة الحروب. إنّ عدم إصدار فئات نقدية أكبر من الموجودة لا ينفي وجود أزمة تضخميّة، وإصدارُها اعتراف بالأزمة وواحد من نتائجها، والاعتراف بوجود مشكلةٍ ما (بدلاً من الاستمرار ببيع الوهم) شرطٌ لازمٌ من شروط إيجاد الحلول. علاوة على ما تقدّم، ثمّة حاجة ملحّة لخلق نوع من الثقة مع الشرائح الشعبيّة وتحصينها بمزيد من الإدراك لجدية الموقف وحجم المشكلات الاقتصاديّة، إضافة إلى التنبيه لوجوب تخفيف الاستهلاك العاقر وترشيد الإنفاق، استعداداً لأهم مرحلة في تاريخ سوريا الاقتصادي الحديث: «مرحلة إعادة الإعمار السوريّة»، شاغلة الدنيا وحديث الشركات العالمية.