في المتن الشمالي، تبلغ «قلة الحياء» ذروتها تجاه أزمة النفايات. فبدل مسارعة اتحاد البلديات إلى التنسيق مع النواب ورؤساء المجالس البلدية لحلّ أزمة النفايات وتشكيل لجنة طوارئ تعمل بنحو مستقل عن الدولة لإيجاد حلول رديفة، ينهمك الاتحاد اليوم بالتحضير لإعلان الفائز بمسابقة «أجمل منظر طبيعي» التي أطلقها نهاية حزيران الماضي. ربما كانت النفايات هنا تفيد في صنع منظر خلاب طبيعي من دون جهد يذكر! لكن هذه ليست «قمة الوقاحة».
ماذا يفعل نواب المتن الثمانية؟
النائب سامي الجميّل قرر بعد تسلمه مفاتيح بيت والده في الصيفي أن يندد يومياً بـ»التخلي عن المسؤوليات» من دون تحديد مسؤولياته الشخصية، بعيداً عن إجادة التصريحات اليومية، سيما وأن الكارثة لم تستدعِ من الجميّل إعلان النفير ودعوة الكتائبيين لدعم المتظاهرين. مع أنه لطالما تظاهر لأجل قضية خلافية في كتاب التاريخ أو الشغور الرئاسي أو غيره.
النائب غسان مخيبر سارع الى إبلاغ ناخبيه بأن حلّ الأزمة يكون بالاتفاق مع مصدرها نفسه، زار وزير البيئة محمد المشنوق معلناً اتفاقه معه على «خطة طوارئ للنفايات».
النائبان إبراهيم كنعان ونبيل نقولا يغمضان أعينهما عن الواقع الحالي بتكرار المزامير ذاتها: «في الـ 2010 تصدينا لواقعة التمديد لسوكلين ولم يقف معنا أحد يومها. ماذا تريدون منا أن نفعل اليوم؟»، فيغسلان أيديهما من ملف الأزمة بدل جمع فعاليات قضائهما والانطلاق بعمل جديّ. ومقابل تعليق نقولا نيابته حتى محاسبة المعتدين على المتظاهرين، لا يبدو كنعان مستنفراً كفاية. ربما لأن النفايات لا تزال بعيدة عن باب بيته بفضل جهود رئيس المجلس البلدي في منطقة سكنه، ثم إن العماد ميشال عون لم يطلب منه حشد المتنيين بعد.

كان للمتن مكب واحد
في برج حمود، فصار لكل
بلدة برج حمودها

أما النواب سليم سلهب وإدغار معلوف وهاغوب بقرادونيان، فلا يخرج عنهم أي همس حتى. ها هو مكب برج حمود نموذج يفترض بسائر المناطق أن تحتذي به في ظل نواب كهؤلاء.
يبقى النائب ميشال المر عازفاً على وترين: ينفي مسؤوليته في ملف قام منذ توليه الحكم طيلة ربع قرن، ثم يخرج ليطالب باستقلالية العمل البلدي وترك البلديات تحلّ أزمة نفاياتها بنفسها قبل الظهر، لكنه يأمر بعدم تحريك الاتحاد أو بلدياته بعد الظهر.موقف النواب غير المبالين بما يتنشقه ناخبوهم أو يسرق من جيبهم يمكن تفهمه. فغالبيتهم تصل إلى المجلس النيابي بباص سياسي أو اعتاد اقتراع الناخبين له أباً عن جد، بمعزل عن أدائه. أما رؤساء المجالس البلدية، فيحتكمون إلى ناخبين يميزون عادة بين المرشحين ويدققون بالتفاصيل. إلا أن هؤلاء يرتكبون الجرائم والمخالفات علانية، فيجودون بالموجود في تزيين بلداتهم كما طلب الاتحاد: «أجمل واجهة بحرية» أنجزتها بلديتا الجديدة والزلقا، بعدما لونت الشاطئ بأكياس النفايات السوداء والخضراء والزهرية. «أجمل حيّ» لبلدية جل الديب التي يتفاجأ رئيسها بمدخل بلدته يرسم لوحته بنفسه جراء سدّ الزبالة للشارع كاملاً. أما جائزة أجمل نبع، فستذهب إلى فوار أنطلياس الغارق بالنفايات. وتتنافس مجموعة بلديات بين أنطلياس وبكفيا للفوز بجائزة أجمل أوتوستراد بعدما راكمت كل بلدية نفاياتها على جانبيه. ويمكن في هذا السياق تعداد عشرات البلديات المشابهة للمذكورة آنفاً، تتشارك جميعها بالنوع نفسه من الرؤساء والمجالس البلدية: «بلداتهم مطمورة بالنفايات والفرصة متاحة أمامهم لفرض استقلاليتهم عبر التعاون مع جمعيات بيئية وإيجاد حلول صحية للأزمة، لكنهم لا يرون طائلاً من «العمل» بعدما اعتادوا الروائح النتنة منذ سنوات». غير أن الطامة الكبرى هنا، تتخطى كل الطبقة السياسية والبلدية لتصل إلى السبب الرئيسي وراء فساد «الحكام» وقلة حيائهم.
المجتمع المتني صمت عن أداء مسؤوليه ورضوخهم لـ«الزبالة» من دون تسجيل ولو تحركاً شعبياً واحداً صغيراً يذكر. ولولا هذا الصمت لما كان «فرعن الفرعون وما لقي حدا يردّو»!