قبل صدور «الأخبار» في صيف عام 2006، كان قادة 14 آذار يعملون على إطلاق أكبر عملية ترويج للجريدة. لكن هؤلاء كان يهتمّون بأمرين، الأول هو تحذير أنصارهم من أن الجريدة الجديدة ليست في خطهم، وأن عليهم التصرف على أساس أنها معادية. والثاني هو إطلاق حملة تشهير من خلال القول إن سوريا وحزب الله وإيران من القوى التي تقف خلف تمويل الجريدة وإصدارها. أذكر يومها أننا شكرنا أحد أبرز قادة 14 آذار على التسويق لجهة تعرّف الجمهور بأن جريدة جديدة سوف تصدر. وهو ما وفّر علينا حملة إعلانية. لكنّ الراحل جوزف سماحة قال في مقالته الأولى إننا لسنا على الحياد، وإننا في قلب معركة تمتد على كامل الكرة الأرضية. وعند تدقيق كثيرين في علاقتها بسوريا وحزب الله وإيران، كان الجواب: تابعوا الجريدة واحكموا!بالطبع، لست هنا اليوم للرد على هذه الحملة. لكن أشير إلى الأمر، الى جانب من الحملة وهو الذي تحدث عن علاقة للجريدة بسوريا. وبالطبع عندما يتحدث كتبة جيفري فيلتمان عن هذا الأمر فهم يعتقدون أن علاقة الجريدة بسوريا هي شبيهة بعلاقتهم بالسفير الأميركي في بيروت. وهي العلاقة التي قامت على مبدأ إخباره بكل ما يدور في اجتماعات رسمية وسياسية وخاصة، وحتى الأخبار العائلية، إضافة الى الدعم المالي والتحريض على إخوانهم من المواطنين (تكشف برقيات للسفارة الأميركية سوف تنشرها «الأخبار» قريباً عن طبيعة هذه العلاقة).
لكن ما نودّ الإشارة إليه اليوم، هو أننا لم نعمل على بناء علاقة مع سوريا وفق أي نوع من الحسابات التي تعوّدها الحكم في سوريا مع الصحافة اللبنانية، وهو أمر نوقش مع جميع المسؤولين في سوريا دون استثناء. لكن هذا النقاش جرى في وقت لاحق، وتحديداً بعد مرور أكثر من عام على صدور «الأخبار»، إذ تبيّن لنا أن إدارة الرقابة في وزارة الإعلام السورية وإدارة التوزيع تعتمدان منهجية في العمل أدّت الى منع دخول كمية كبيرة من أعداد «الأخبار» إلى السوق السورية. فعمدت إدارة «الأخبار» في حينه الى وقف إرسال النسخ المخصّصة لسوريا بسبب عدم القدرة على تحمّل الخسائر الناجمة عن مصادرة الأعداد وبيعها في السوق أو إيصالها الى المشتركين، وعدم إعادتها الى الجريدة، علماً بأن إعادة توزيعها من جديد في بيروت ستكون صعبة.
يومها، عقدت اجتماعات بين إدارة «الأخبار» والمسؤولين في الدولة السورية، وجرى التفاهم على آليّة عمل، سمحت بدخول الجريدة الى السوق السورية. ونُظمت آلية عمل من جانب فريق «الأخبار»، ما جعل كمية الأعداد المرسلة يومياً تقارب 3500 عدد. واتخذت المؤسسة السورية المعنية بالتوزيع إجراءات إدارية حصرت توزيع النسخة في مدينة دمشق، على أن ترسل كمية من النسخ الى المحافظات في اليوم التالي، ما حال عملياً دون توسيع دائرة التوزيع، علماً بأن عدد زوار موقع «الأخبار» على الإنترنت من سوريا، ظل على الدوام في حالة تزايد يومياً، وهو يمثّل اليوم رقماً كبيراً جداً.
خلال الأشهر القليلة الماضية، عدنا الى المشكلة نفسها، وبتنا لا نعرف متى يقرر الرقيب أو المسؤول عنه منع «الأخبار» من الدخول الى الأسواق. وتدخل أصدقاء، الى أن تلقت إدارة «الأخبار» اتصالاً من مسؤول سوري رسمي الأسبوع الماضي يبلغها أنه لن تراقَب الجريدة ولن تُمنع، وتمنى المسؤول نفسه أن يصار الى إعادة إرسال الأعداد وزيادة كميتها أيضاً. وهو ما حصل، الى أن فوجئنا أمس بمنع «الأخبار» من الدخول الى الأسواق، في وقت استُدعي فيه زملاء يكتبون بصورة غير منتظمة في «الأخبار» الى التحقيق لدى جهات أمنية للسؤال عن تفاصيل بعض ما هو منشور في الجريدة عن سوريا.
وإذا كان النقاش حول العلاقة بمجملها يتطلب مقاربة من أكثر من زاوية، فهذا لا يعني أن الصمت هو الوسيلة الفضلى، أو حتى التوسط لدى هذه المرجعية أو تلك، أو حتى البحث عن سبل لاسترضاء من يجب هنا وهناك لتوفير نوع من الحلول التي نعرف مسبقاً أنها تفرض تسوية غير مقبولة من جانبنا، وهو ما يدفعنا الى الحديث عن الأمر علناً، وأيضاً ليس بقصد التشهير أو الابتزاز كما يعتقد البعض، بل لأن الأمر يتطلب علاجاً من نوع مختلف.
أمر أخير، وهو أن «الأخبار» لا تجد نفسها في موقع المضطرب الباحث عن حل كيفما اتفق، كما أنها ليست في وارد الدخول في أي مواجهة لمجرد المواجهة. لكن شيئاً واحداً يجب قوله الآن وكل لحظة، أن الحقيقة القاسية هي حقيقة مطلقة. لا مجال لأي اجتزاء فيها، وإن الأخطاء التي تواكب البحث عن هذه الحقيقة هي من النوع الذي لا يحتمل التأويل، وخصوصاً في ما خصّنا نحن، لأننا لا نقبل، ولا نسمح لأحد، أي أحد، أن يحاول توصيفنا أو تصنيفنا في خانة الذين يعملون لأجل الدمار في كل مكان، لا في سوريا فقط.
بناءً على ذلك، فإن إدارة «الأخبار» تأسف شديد الأسف للقرار الذي اتّخذ، وهي لا تعرف بالضبط الجهة التي تقف خلفه، وهي ترى أن تغطيتها للأحداث الأخيرة في سوريا قد كانت موضوعية الى أبعد الحدود، بل إن «الأخبار» تجنّبت الدخول في أي نفق من أنفاق النقاشات الكيدية أو ذات المصالح الخاصة بقوى معادية لسوريا. وبالتالي، فإن ما حصل يدعونا من جديد الى مناقشة الأمر تمهيداً لاتخاذ قرار نهائي بشأن التوزيع داخل سوريا.