رقم البرقية: 06BEIRUT2706التاريخ: 21 آب 2006 5:40
الموضوع: لبنان: الحريري يريد «مشروع مارشال» لبنانياً
مصنّف من: السفير جيفري فيلتمان

ملخص

1. خلال اجتماع صعب يوم 20 آب في قصره بقريطم مع السفير جيفري فيلتمان وأحد المسؤولين السياسيين في السفارة، ضغط سعد الحريري بطريقة غير معهودة عنه، باتجاه فتح فوري للمرافئ والمطارات اللبنانية. وفي ردّه المضاد، قال السفير إنه إلى حين قيام الحكومة اللبنانية بالمزيد في سياق تعزيز رقابتها على المعابر الحدودية، تطبيقاً لما يتضمّنه القرار الدولي 1701، لن تكون الولايات المتحدة قادرة على إقناع الإسرائيليين بفكّ الحصار. وخلال الاجتماع، اتصل سعد برئيس البرلمان نبيه بري ليطلب منه (بطريقة ملتوية) نقل ضبّاط الجيش اللبناني المتعاطفين مع حزب الله من محطة الشحن في مطار رفيق الحريري الدولي.
2. وفي إطار دعوته إلى «مشروع مارشال خاص بلبنان»، قال سعد إن على الإدارة الأميركية أن تساعد على تعزيز مؤسسات الحكومة اللبنانية، وخاصة الجيش اللبناني. وحين كان السفير ينتقد بياناً صدر أخيراً عن قائد الجيش ميشال سليمان تأييداً لـ»المقاومة»، رأى سعد أن المجتمع الدولي ترك الجيش اللبناني في وضعية ضعيفة، ما جعله يتصرف بخضوع في وجه حزب الله. وقال السفير إنه، في ما يتعلق بتقديم العون، لا أحد سيكون قادراً على مساعدة لبنان حتى تقدم الحكومة اللبنانية مشروعاً واضحاً لإعادة الإعمار. وعرض سعد المشروع الأحدث للحكومة اللبنانية، الذي يتضمّن تأمين تمويل من خلال صندوق عربي جديد من أجل لبنان، وتعهد بدفع رئيس الحكومة السنيورة ليقدم المشروع في حلول يوم غد 21 آب. وفي ما يتعلق بـ»المحكمة الخاصة ذات الطابع الدولي» التي من شأنها محاكمة المتهمين باغتيال رفيق الحريري، قال سعد إن مشروع إطار عملها قد صُدِّق في الحكومة اللبنانية، والأمر يحتاج الآن فقط لأن يأتي نيكولا ميشال من مكتب الأمم المتحدة للشؤون القانونية ليوقّع عليه، قبل أن يأخذه في الاعتبار كل من البرلمان والحكومة اللبنانيين.
(انتهى الملخص)

تغيير قواعد اللعبة

3. جالساً في مكتبه السفلي ذي الطابع الجنائزي، ومُحاطاً بصور والده الراحل، ومحرِّكاً خرزات سبّحة الصلاة بعصبية، قال سعد إن هناك ضرورة لـ»قواعد مختلفة للّعبة» في الجنوب. ورداً على تذمُّر السفير من «أمر العمليات» الذي أصدره قائد الجيش ميشال سليمان يوم 17 آب، والذي جاء فيه أن الجيش سينتشر «إلى جانب المقاومة»، في موافقة ضمنية منه على وجود حزب الله مسلحاً، أجاب سعد بأن سليمان في وضع صعب يمنعه من قول شيء مختلف عن ذلك في الحالة الراهنة. وأكد أنه ما دام الجيش أضعف عسكرياً من حزب الله، فسيكون عليه المحافظة على وضع أقل عرضةً للتهديد. لكن، على حد تعبير سعد، ما إن يصبح للجيش «بعض الأسنان وبعض المعنويات»، فقد وعد سعد بـ»ضرب حزب الله وإسقاطه». وفيما ازدادت حدّته (وظهر بوضوح أنه يأمل تسجيل كلامه حرفياً)، قال سعد للسفير «أعطني فرصةً، وسأ... حزب الله» (Give me a chance, and I will f*** hizballah). كذلك تذمّر سعد – مثلما فعل آخرون من بينهم الرئيس السنيورة ورئيس البرلمان برّي – من أن الهجمات الإسرائيلية كتلك التي حصلت يوم 19 آب على شمال بعلبك، تخدم فقط تدعيم حزب الله.
4. وإذ عبّر عن انزعاجه من عدم تلبية الإدارة الأميركية بعض الطلبات التي سبق له أن تقدم بها – ذكر سعد بشكل محدّد أسلحة رشاشة ومروحيات – لتزويد الجيش والقوى الأمنية بها، شدد سعد على ضرورة أن تقوم الإدارة الأميركية بالمزيد للمساعدة في تعزيز تلك المؤسسات. أجاب السفير أننا، بالفعل، كنا نزيد من وتيرة دعمنا للجيش اللبناني ولقوى الأمن الداخلي. لكنه أشار إلى أنه يصعب إيجاد آذان متحمسة لهذا الأمر في واشنطن، عندما يستمر مسؤولون لبنانيون رئيسيون كالجنرال سليمان (حتى لا نذكر الرئيس لحود) يصدحون بفوائد المقاومة. كما أن الأمر يصعِّب علينا إقناع الإسرائيليين بجدية الجيش اللبناني في احتواء حزب الله. وفي سياق تعداده لعدد من الخطابات التي صدرت منذ بيان سليمان، والتي تعتمد نبرةً مختلفة عن نبرة قائد الجيش (خطابات الحريري ورئيس الحكومة السنيورة ووليد جنبلاط ووزير الدفاع الياس المر)، لمّح سعد إلى أن السفير يبالغ في تقدير أهمية بيان سليمان. وقال إن كل ما هو مطلوب هو أن تضغط الإدارة الأميركية على بعض الدول العربية – قطر والكويت والإمارات والسعودية – لتسليم تجهيزات عسكرية لقوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني. وتضرّع سعد قائلاً «رجاءً، فقط قولوا للعرب أن يساعدوا الجيش». وأضاف أن الإمارات قدّمت 50 مليون دولار لقوى الأمن الداخلي فور طلب الإدارة الأميركية منها فعل ذلك. الآن على الإدارة الأميركية أن تطلب الأمر نفسه من أجل الجيش.

السيطرة على المعابر الحدوديّة

5. في إشارة إلى بيانات فاترة صدرت عن وزراء لبنانيين، سأل السفير عن السبب الذي يدفع الحكومة اللبنانية إلى التعامل مع القرار 1701 كحمل ثقيل بدل أن يكون بَرَكة لمساعدة لبنان على تأمين سيادته. لماذا، على سبيل المثال، لا تنوي الحكومة اللبنانية الطلب من اليونيفيل مساعدتها في المرافئ والمطارات وعلى الحدود اللبنانية – السورية لمنع إيران وسوريا من تأمين السلاح لحزب الله ولأطراف أخرى؟ إنها نقطة أساسية. أجاب سعد بأن هذه قضايا سيادية، موضحاً بشكل صادم أنه «ليس هناك فارق بين اليونيفيل وسوريا» (بالتأكيد في إشارة إلى الاعتداءات على السيادة، من دون قصد آخر). أبلغ السفيرُ سعد بأن هذه الإجابة لن تكفي لفك الحصار الإسرائيلي المفروض، وإن كانت الحكومة اللبنانية تريد إنجاز هذا الهدف، فعليها أن تؤمن رقابة فعّالة على معابرها الحدودية.
6. وإذ قال «نحن الجهة التي تسيطر على المرفأ والمطار»، تذمّر سعد بشكل عاطفي من أن السياسة الأميركية أدّت إلى «فرض حظر خَنَق ثورة الأرز لمدة شهر». هذا الحظر لا يؤذي حزب الله، بل يشلّ حركة 14 آذار. وأكّد سعد للسفير أن 99 في المئة من السلاح المهرَّب إلى لبنان يأتي من الحدود السورية. فقط جزء ضئيل منه يدخل عبر المرفأ والمطار، والحكومة اللبنانية قامت بتغييرات حقيقية أخيراً في أمن مطار بيروت الدولي. وعندما أبلغ السفير، سعد، بأن المدير العام لقوى الأمن الداخلي أشرف ريفي أبلغنا بأن محطة الشحن في مطار بيروت الدولي لا تزال تحت تأثير ضباط موالين لحزب الله في الجيش اللبناني، رفع سعد سمّاعة الهاتف واتصل بنبيه بري مباشرة. وفيما كان يتحدث إليه بالعربية، كذب سعد بوضوح على بري، قائلاً له إن «الأمم المتحدة طلبت منه حصراً استبدال الضباط الشيعة في محطة الشحن في المطار»، وإن «ذلك سيكون نهاية المسألة، وسيحلّ المشكلة». وفي وقت لاحق من هذا الاجتماع، قال سعد إنه سيحلّ قضية محطة الشحن مع نبيه بري «اليوم». «إن فعلتُ ذلك، فعندها افتحوا المطار». لم يقدّم السفير ضمانات على أن الإسرائيليين سيوافقون على اعتبار هذه الخطوة كافية، وحثّ، مجدداً، سعد ليطلب من الرئيس السنيورة أن يطلب بهدوء من اليونيفيل القدوم إلى المطار لتقديم المساعدة. (تعليق: كان لافتاً للنظر طوال هذا الاجتماع الاستخفاف الكلي لسعد بالصلاحيات الحكومية للسنيورة).
7. عندما سأل السفير عمّا تنوي الحكومة اللبنانية فعله لتأمين حدودها، شكا سعد من أن الجيش بات مستنفَداً، ولديه ما يكفي من المسؤوليات بين يدَيه في الجنوب. «نحن نطلب من الجيش فعل كل شيء في الوقت نفسه!». وقال إن على المجتمع الدولي اتخاذ موقف من (قضية) الحدود. وعندما سأله السفير عن قصده، اقترح سعد أن تفرض الأمم المتحدة عقوبات على سوريا.

مشروع إعادة الإعمار يتّخذ شكلاً

8. سأل السفير عمّا إذا كانت الحكومة اللبنانية قريبة من تطوير مشروع واضح لإعادة الإعمار. أجاب سعد بثقة بـ»سنعيد بناء جميع المنازل التي دُمِّرَت بمال من السعوديين والقطريين والإماراتيين والكويتيين». ستكون الخطوة الأولى تحديد حجم الدمار وتقدير أكلاف إعادة الإعمار في كل قرية، وهو المسار الجاري العمل عليه. ستجري عملية تخمين الأضرار بإشراف مجلس الجنوب التابع لنبيه بري (وهو المجلس الذي يُعدّ بمثابة بالوعة مالية، وهو لن يكون له أي سيطرة على مشاريع التمويل، لكن سيكون له الكثير من «الفضل» في إعادة الإعمار). الدول المانحة، بالتوافق مع الحكومة اللبنانية، ستحدِّد حينها أي قرى تريد إعادة بنائها، بالإضافة إلى اختيار متعهدي البناء. وبحسب سعد، ستموَّل المشاريع من «صندوق عربي جديد لإعادة إعمار لبنان».
9. ردّاً على إصرار السفير على ضرورة أن تطلق الحكومة اللبنانية حملة علاقات عامة أكثر فاعلية للترويج لكل ما تفعله لإعادة إعمار لبنان، أجاب سعد بأن الرئيس السنيورة سيزوره في وقت لاحق من اليوم (20 آب) لوضع النقاط الأخيرة على المشروع. وبعد ذلك، سيكون هناك إعلان رسمي لجهود الحكومة اللبنانية. كذلك أوضح سعد أنّ الرئيس السنيورة ورئيس البرلمان بري زارا معاً (أخيراً) الضاحية الجنوبية صباح اليوم، وأنه سيقوم هو بنفسه بزيارة في الأسابيع القليلة المقبلة. وضغط سعد مجدداً في اتجاه نيل مساعدة أميركية في حشد دعم دولي – «رجاءً ساعدوا لبنان! أعطوا كل شيء للبنان! نحتاج إلى مشروع مارشال خاص بلبنان». وذكر السفير أنه، بهدف معرفة درجة التزام المجتمع الدولي تجاه لبنان، يجب تأمين تنسيق مع الحكومة اللبنانية، ليكون لدينا جميعاً الفكرة نفسها عن نوعية العمل المطلوب إنجازه، وأي دولة ستنفّذ أي مشروع. ووعد سعد بإبلاغ الرئيس السنيورة بدعوة السفراء قريباً لتزويدهم بلائحة من «احتياجات إعادة الإعمار التي تبلغ قيمتها مليار دولار». وقال إنّ المنسِّق الجديد للإغاثة غسان طاهر بدأ بالعمل اليوم، وإنه سبق له أن انخرط في مفاوضات 2003-2004 لتبادل الأسرى بين حزب الله وإسرائيل التي كانت برعاية ألمانية.

محكمة

10. في إطار إشارته إلى أن خطاب بشار الأسد يوم 15 آب كان «أفضل شيء كان بإمكانه القيام به»، قال سعد إن السعوديين «فقدوا صوابهم» بعد الخطاب العنيف ضد لبنان. وسأله السفير عن كيفية سير الأمور في ما يخص إنشاء «المحكمة الخاصة ذات الطابع الدولي» لمحاكمة المتهمين باغتيال الحريري. أجاب سعد بأن الحكومة اللبنانية، وتحديداً وزير العدل شارل رزق، عرضت مشروع الاتفاق مع المحكمة، الذي أعدّه مكتب الشؤون القانونية للأمم المتحدة، وأن لديها بعض التعديلات لوضعها عليه. وعلى نيكولا ميشال من هذا المكتب أن يقوم بالخطوة المقبلة عبر مجيئه إلى لبنان للاتفاق على النص النهائي والتوقيع عليه. (ملاحظة: وهنا نصل إلى الجزء الصعب، وهو تأمين موافقة الحكومة والبرلمان مع تفادي انفراط عقد مجلس الوزراء. انتهت الملاحظة).

تعليق

11. فيما كان حابساً نفسه في قصره، بدا «الشيخ سعد» بمزاج غريب. فادّعاؤه أن فشلَ الإدارة الأميركية في تقديم التجهيزات اللازمة للجيش اللبناني لا يترك لميشال سليمان خياراً آخر سوى القول إن الجيش سينتشر «إلى جانب المقاومة»، هو ببساطة سخافة بالغة. ولفت السفير نظر سعد إلى أنه كان حرياً بسليمان ببساطة عدم ذكر عبارة «المقاومة» نهائياً. (يبدو أن سليمان فهم الرسالة المتعلقة بتصريحاته الفاضحة، وهو يحاول تصويب هذه التصريحات – التي ألقاها الخميس الماضي – محاولاً تفسيرها على أنها كانت تعني أن الجيش سيقف إلى جانب «الشعب البطل في الجنوب»، وهي تفسيرات مشكوك في صحتها). بالإضافة إلى ذلك، صُدمنا بالتجاهل التام الذي أعرب عنه سعد إزاء السنيورة، تحديداً في اتصاله بالرئيس بري، وعندما كذب عليه طالباً منه بصراحة «تغيير الضباط الشيعة» من دون أن يستشير السنيورة في هذه الخطوة. وحاول سعد التواصل مع وزير الداخلية بالوكالة أحمد فتفت بعد الاتصال الهاتفي الذي أجراه مع بري على الأرجح لإبلاغه بقراره. وخلال الاجتماع، تحدث سعد عن خطوات الحكومة اللبنانية التي اتخذتها في الأسبوع الماضي (منذ عودته من باريس) كما لو أنه هو مَن قرّرها، لا السنيورة. ويتساءل المرء عما إذا كان السنيورة يفضّل أن يبقى سعد خارج لبنان ليقود ما يسمّيه «المقاومة الدبلوماسية» الخاصة به.
12. إن ملاحظات سعد عن مشروع إعادة الإعمار والمحكمة، توحي على الأقل بأن الأمور تسير بالاتجاه الصحيح. تبدو جهود إعادة الإعمار منسَّقة بطريقة تسمح للجهات المانحة وللحكومة اللبنانية بالعمل بشفافية وبطريقة قابلة للمحاسبة. هذا بلا شك، بفضل المقاربة الحذرة للسنيورة. إضافة إلى ذلك، من خلال وضع مؤسسة بري (مجلس الجنوب) في الواجهة، من دون السماح لها بالإمساك بالتمويل، فإنك تعطي دفعاً شعبياً مطلوباً لبديل شيعي علماني من حزب الله من دون ملء جيوب رندة بري في الوقت نفسه. نأمل بقوة أن نحصل على فكرة أوضح في الأيام المقبلة حيال احتياجات لبنان المحددة لإعادة الإعمار.
عن إطار عمل المحكمة، فإنه بالفعل جاهز للتوقيع عليه، وعلينا حثّ الأمم المتحدة على إرسال نيكولا ميشال إلى لبنان في أقرب وقت ممكن، ربما – مثلما اقترح مروان حمادة – لمرافقة كوفي أنان خلال زيارته لسوريا الأسبوع المقبل.
فيلتمان