صحيح، الأمر انتهى. ما عاد يمشي الحال. وكما قال المتظاهرون للطغاة: Game Over. هذا أفضل ما يقال لسعد الحريري بعد خطابه أول من أمس.
لم يعد الأمر مجرد صدفة. إسرائيل، التي قال سعد الحريري إنها العدو الوحيد، هي أيضاً الطرف الوحيد الذي يقول حرفياً ما قاله سعد الحريري عن سلاح المقاومة. ومطالب إسرائيل من العرب واللبنانيين وكل العالم، هي نفسها مطالب سعد الحريري إزاء سلاح المقاومة...
مع الأسف، مات رفيق الحريري لمرة أخيرة. هذه المرة قتله ابنه سعد، وسلّم الراية إلى سمير جعجع، الذي له الحق، كل الحق الآن، بالابتهاج لكونه نجح، ولو بعد عقدين من الزمن، في جعل عناوين مشروعه عناوين جهات لبنانية أخرى.
ما قاله سعد الحريري عن سلاح المقاومة لا يقوله إلا أعداء لبنان، وما طلبه سعد الحريري لا يطلبه إلا أعداء لبنان، وما يسعى إليه سعد الحريري لا يسعى إليه إلا أعداء لبنان، وما دعا إليه سعد الحريري لا يدعو إليه إلا أعداء لبنان.
لم يعد ممكناً الكذب على الناس. وسعد الحريري الذي يرفع شعار «لأ للكذب»، عليه أن يدرك أن الناس يعرفون أنه كاذب، ويعرفون قلة صدقه، وانعدام وفائه لأقرب المقرّبين إليه، وحتى لأوليائه القدماء والجدد على حدّ سواء.
هل تريد يا سعد أن نذكّر بأنك أنت من كذبت على جمهورك يوم قلت له إنه لا مجال لعلاقة مع سوريا؟ هل تذكر أنك كذبت على نفسك حين قلت إنك لن تتنازل عمّا تراه أموراً حقيقية وثابتة وراسخة؟
هل تذكر يا سعد أنك أنت من كذب على بشار الأسد، مرة واثنتين وأكثر، ولم تلتزم بكلمة واحدة مما قلته؟
هل تذكر يا سعد أنك كذبت على السيد حسن، وعلى الرئيس برّي، حين قدّمت تعهدات، من تلقاء نفسك، بشأن الشراكة الوطنية، وبشأن سلاح المقاومة؟
هل تذكر يا سعد أنك أنت من كذب على سمير جعجع وأمين الجميّل بأنك لا تفاوض أحداً على رأس المحكمة؟
هل تذكر يا سعد أنك كذبت على الملك عبد الله وعلى ابنه الأمير عبد العزيز، حين قلت إنك ملتزم بما يتفقان عليه مع سوريا، ثم ذهبت إلى الأميركيين تطلب النجدة لمنع الاتفاق السعودي – السوري؟
هل تذكر يا سعد أنك أنت من كذب على جمهور 14 آذار، ورحت تبيع المحكمة مقابل بقاء فرع المعلومات تحت إشرافك، وبقاء سعيد ميرزا وأشرف ريفي في منصبيهما؟
هل تذكر يا سعد أنك كذبت على حلفائك المسيحيين، وذهبت تفاوض سوريا وحزب الله على رأس تمثيلهم في الحكومة، مقابل حفظ مصالحك في سوليدير وسوكلين والسوق الحرة؟
هل تذكر يا سعد أنك كذبت على ميشال سليمان، وأوهمته بالعمل المشترك، فيما كنت أنت تريده شاهد زور في الحكومة، فقط للإمساك بملف الاتصالات؟
هل تذكر يا سعد أنك كذبت على موظفي وسائل الإعلام الخاصة بك، بأنه ليس لديك أموال تغطي العجز، بينما كانت السعودية تحقق معك في مصير عشرات ملايين الدولارات التي اختفت من صندوق الانتخابات، ومثلها من صندوق التنمية؟
هل تذكر يا سعد الحريري أنك كذبت على أهل عكار، وفقراء طرابلس، وأهالي البقاعين الأوسط والغربي، وأبناء عرسال، ولم تصرف قرشاً على الإنماء هناك، بينما أخذت باسمهم أموالاً طائلة من السعودية وغيرها؟
وبعد، ما الذي تعتقده يا سعد؟ هل تظن نفسك وائل غنيم وأن ريّا الحسن هي نوارة نجم؟ أم نسيت أن فؤاد السنيورة هو أحمد شفيق؟ وأن أيتام عمر سليمان هم الذين يكتبون لك بيانات الجنون، على طريقة حسني مبارك قبل سقوطه؟ وأن حشد المصفّقين الذين ينتقلون معك، من قريطم إلى منزلك في الأرض المغتصبة، إلى البيال، هم أنفسهم الحشد الذي يجرّه خلفه معمر القذافي من بيته في العزيزية إلى الساحة الخضراء؟
ثم تتحدث عن الحقيقة والعدالة؟! هل تظنّ يا سعد أنه يمكنك إقناع أحد في هذا العالم بأنك تريد العدالة في قضية والدك، وأنت تضع يدك في يد قاتل رشيد كرامي؟
هل تعتقد أن بإمكانك إقناع أحد بأنك تريد الحقيقة، وأنت لا تزال نشطاً في فبركة ما تيسّر من شهود الزور، وحماية الآخرين الفارين منهم؟
هل تعتقد يا سعد أن جمهور رفيق الحريري معجب بمطالعاتك النجيبة في حضرة محقق دولي، او تريد المزيد من إبداعاتك في الغرف المغلقة؟
هل تعتقد يا سعد أن هناك عاقلاً واحداً يمكن أن يلحق بك، ويسير خلفك، بعد ما فعلته خلال السنوات الماضية، من تدمير للمكتسبات، وهدر للفرص، وسرقة لآمال الجمهور وطموحاته؟
أم تصدّق ابتسامة فريد مكاري وتصفيق فؤاد السنيورة، وهما اللذان يشتم أحدهما الآخر. إذ خسر الأول أسهمه في مصرف، عمل الثاني على تدميره منذ شهور طويلة، بدعم ورعاية من رئيسك الفعلي جيفري فيلتمان؟
حسناً، لقد أحسن من أخرجك من إدارة الدولة، وحسناً تفعل الولايات المتحدة أن تنصّبك زعيماً للمعارضة الجديدة، لكن الخيبة قائمة على وجوه من وعدوا أنفسهم بنصر جديد، والخشية، كل الخشية، على من بقي يصدّقك بين الناس، من الذين ستقودهم من إحباط إلى اكتئاب إلى يأس... والله أعلم إلى أين المسير؟
سعد باشا... اللعبة انتهت!