يبدو تفجير برج البراجنة المزدوج الأكثر تعقيداً بين العمليات الإرهابية التي استهدفت لبنان خلال السنتين الماضيتين. فحتى يوم أمس، لم تكن التحقيقات قد توصلت إلى تحديد هوية الانتحاريين، ولا تم تحديد خيوط يمكنها أن تؤدي إليهما. رغم ذلك، يستمر العمل على مسار التحقيق مع الموقوف لدى فرع المعلومات، الذي قُبِض عليه في طرابلس، فجر يوم تفجير الضاحية، ويحمل حزاماً ناسفاً وقنبلة يدوية ومسدساً.
ورغم أن الموقوف (إبراهيم ج.) شديد التكتّم، فإن الفحص التقني للحزام الناسف الذي كان في حوزته، بيّن تطابقاً كاملاً في المواصفات بينه وبين الحزام الذي لم ينفجر وكان يحمله أحد انتحاريي برج البراجنة. وبحسب مصادر أمنية، فإن موقوف طرابلس أقرّ بأنه كان ينوي تفجير نفسه في جبل محسن، صباح أول من أمس، أي يوم تفجير برج البراجنة. وبحسب المصادر، فإن الموقوف سافر من لبنان إلى تركيا قبل أشهر، ومنها إلى سوريا، ومنها إلى مناطق سيطرة تنظيم «داعش». ومرّ في عدد من المدن التي يسيطر عليها التنظيم، كالرقة وتدمر، قبل أن يعود إلى لبنان قبل أسابيع، مكلّفاً من قبل «داعش» بتفجير نفسه في منطقة جبل محسن الطرابلسية.

تطابق في المواصفات بين حزامي برج البراجنة وطرابلس الناسفين

يُذكر أن دورية من فرع المعلومات قبضت عليه فجر أول من أمس. وبحسب مصادر وزارية، فإن الموقوف حاول تفجير نفسه بدورية فرع المعلومات لحظة توقيفه، لكن «العتلة» التي تُستخدم لتفجير الحزام الناسف تعطّلت. وصباح اليوم نفسه، جرى تفكيك عبوة ناسفة معدّة للتفجير في جبل محسن. وأكّدت المصادر أن الموقوف لم يعترف بعد بوجود أي صلة بينه وبين انتحاريي برج البراجنة، اللذين لا يزالان مجهولي الهوية. ويعوّل المسؤولون الأمنيون على إفادة ابراهيم ج. للتوصل إلى كشف التفاصيل التي لا تزال مجهولة لجريمة برج البراجنة.
كذلك، يرى مسؤولون أمنيون إمكان تحصيل معلومات مفيدة للتحقيق في جريمة برج البراجنة، من موقوف قبضت عليه استخبارات الجيش قبل أقل من أسبوع، وهو من بلدة عرسال، يُشتبه في انتمائه إلى تنظيم «داعش». وبحسب مسؤولين أمنيين، فإن الموقوف أدلى باعترافات مهمة حول اعتماد «داعش» تقنية تفخيخ الدراجات النارية في عرسال، كالدراجتين اللتين جرى تفجيرهما في عرسال الأسبوع الماضي (يومي 5 و6 تشرين الثاني الجاري) واستهدفتا على التوالي مكتب «هيئة علماء القلمون» ودورية للجيش.
وكان المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود قد أكّد أمس، بعد تفقده مكان التفجيرين الارهابيين في برج البراجنة، أن «العملية كانت مزدوجة، وهما تفجيران، ولم يثبت إلى الآن أن الانتحاريين كانوا ثلاثة والموضوع قيد المتابعة». أضاف: «المتفجرة الأولى كانت في دراجة نارية، زنتها 7 كلغ، والثانية على «الخصر» زنتها 2 كلغ، ونحن في طور الدراسة وتحديد نوعها». أما مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر فقال «إن المعلومات المتوافرة نتابعها من خلال المعطيات للتأكد ممّا إذا كان هناك انتحاري ثالث، وما يبدو حتى الآن أنهما اثنان، وخلال ساعات ينتهي الكشف. والتركيز يتم على الجهة التي أتى منها الانتحاريان ومن وراءهما».
وكان رئيس الحكومة تمام سلام قد ترأس في السراي اجتماعاً وزارياً أمنياً طارئاً لمتابعة الاوضاع بعد تفجيري برج البراجنة. وتقرر في الاجتماع رفع مستوى الاستنفار الأمني إلى حدوده القصوى.
ويوم أمس، نشرت وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» بياناً أتت فيه على ذكر تفجيري برج البراجنة، قائلة إن مقاتلي التنظيم نفذوه «بدراجة مفخخة وحزام ناسف».
سياسياً، استمرت حالة الاستنكار غير المسبوقة للتفجيرين. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أبرق إلى الرئيس نبيه بري معزياً، عارضاً مساعدة بلاده. كذلك فعل وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف الذي عرض على وزير الداخلية نهاد المشنوق أنه «على أتم الاستعداد للبحث معه في سبل تدعيم التعاون الأمني بين فرنسا ولبنان». وأكد كازنوف وقوف بلاده «إلى جانب السلطات اللبنانية والشعب اللبناني في معركتهم ضد الإرهاب». وكان لافتاً الكلام الذي صدر عن وزير الداخلية الإماراتي سيف بن زايد آل نهيان، الذي اتصل بالمشنوق معزياً، وأعلن «استعداد الإمارات لتقديم كل مساعدة في مجال تبادل المعلومات مع الأجهزة الأمنية، إذا كان من شأن ذلك المساعدة في إحراز تقدم في التحقيق في الجريمة التي ارتكبها إرهابيون في منطقة برج البراجنة أمس».
وبانتظار خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عند الثامنة والنصف من مساء اليوم، استمر الهدوء مسيطراً على الخطاب السياسي، مع إظهار أرفع درجات التضامن مع الضحايا.