كَبُر «الفريخات». نبشوا الخيم من أرشيف عام 2005، ونصبوا بعضاً منها أمام السرايا الحكومية. هم باقون إلى حين «إسقاط الرئيس نجيب ميقاتي وتأليف حكومة تكنوقراط وطرد السفير السوري ونزع السلاح غير الشرعي». هذه هي العناوين الرئيسية. تشبه تلك التي انتشرت منذ 7 سنوات، مع فارق التغيرات السياسية. لكن الساحة كانت فارغة. حضر إليها أقل من مئة شخص. واضطر متكلّمو المنظمات الشبابية إلى تأجيل خطاباتهم بانتظار زيادة العدد. اعترضت إحدى المعتصمات على انعدام التنظيم. الأمر برأيها ليس جيداً. بمعنى آخر، البداية سيئة.
المسألة بالنسبة إلى الشباب ليست عددية. «عام 2012 سقط مفهوم المليونيات». ثم إن هذا ليس حشداً بل اعتصام عموده مجموعة خيم لا تتجاوز عشراً. صحيح أن للشباب أهدافاً واضحة، لكنّ ثمة شيئاً ناقصاً. قد تكون الحماسة. الأكيد أن الأمر يختلف عن عام 2005. لا بد من المقارنة. سوريا وحزب الله حاضران في العامين. وحدهم الشباب تغيّبوا.
يقول عضو منظمة طلاب الوطنيين الأحرار ناصيف شريم: «باقون حتى تحقيق مطالبنا»، مؤكداً أنهم «ضد اقتحام السرايا». ويعزو الإصرار على إسقاط ميقاتي إلى «فساد الحكومة، وعجزها عن فرض الأمن، عدا عن الوضع الاقتصادي المتردي». أما عن التوقيت، فيقول إن «الشعوب تفوع (تنتفض) حين تصل للمكسيموم». وهل يكون نصب الخيم مجدداً بمثابة «احتلال» لبيروت، على غرار توصيف حكومة فؤاد السنيورة لخيم 8 آذار؟ طبعاً لا. «في ذلك الوقت، أغلقوا بيروت لصالح دول أخرى وليس لبنان».
حتى الآن، ينام عدد قليل من الشباب الأحرار والكتائبيين والقواتيين والمستقبليين في الخيم المنصوبة، لأسباب أمنية. فقد حاول شباب من الخندق الغميق التوجه إلى الساحة قبل أن يتصدى لهم الجيش. يؤمّن الشباب حاجياتهم من مالهم الخاص. يعلّق أحد الأحرار: «لسنا مدعومين من دول خارجية».
تتشابه آراء الشباب. منسّق الإعلام في قطاع الشباب في تيار المستقبل عبد السلام موسى ينفي أن يكونوا محتلين. يقول إن «8 آذار أنشأت مخيماً كبيراً ضم مئات الخيم الفارغة، عدا عن الحمامات». يكرر المطالب عينها، مركّزاً على استقالة ميقاتي: «تكفي الانتهاكات المتكررة على الحدود وداتا الاتصالات». يلفت إلى أن الشباب راهنوا على المسار السياسي للتغيير قبل أن يتبين لهم أن الرئيس كان يناور. لذلك حان الوقت.
يصرّون على أنهم لن يؤذوا الاقتصاد. فهم لم يغلقوا أي طريق على غرار الموالاة. لكن ماذا عن النشاطات السياسية اليومية التي من شأنها التأثير على مزاج الناس؟ هذا غير وارد في حساباتهم. أصلاً لم يتقدم أحد بشكوى حتى الآن، علماً بأن جولة على أصحاب المحال تؤكد ضرر التخييم في المنطقة عليهم، في ظل الخوف العام من المشاكل في البلد. أما الكتائبيون الذين يعتبرون مزاحاً أن صحيفة «الأخبار» قد كتبت الموضوع قبل يومين من حدوثه (تعبيراً عن عدم الثقة)، فيتساءلون: ألا يؤثر السلاح مثلاً؟
كان من المفترض أن تلقي المنظمات الشبابية كلماتها في ساحة الشهداء. توجّه الشباب والصحافيون إلى هناك، وانتظروا حوالى ساعة، قبل أن تفضي المشاورات إلى العودة إلى السرايا. ربما باغتهم العدد القليل، الذي يبرّرونه بإغلاق الطرقات وخوف الناس. هل هم جاهزون إذاً؟
شكّل الصف الأول كتلة أفقية. تكاتفت أجسادهم وقادوا المسيرة. انطلقت الشعارات: «يا ميقاتي نزال نزال هيدي الكرسي بدها رجال». يخاطبه أحدهم بشتيمة، يبدو أنها لم تكن زلة لسان. شعار آخر وجه إلى الرئيس السوري بشار الأسد: «حرية للأبد، غصباً عنك يا أسد».
وصلوا إلى ساحة رياض الصلح حيث الخيم. تكلم الشباب «بصمت». لم يكن هناك مكبّر للصوت. خذلوا أنفسهم. طالب أحدهم الشباب بنزع الأعلام الحزبية عن السياج الحديدي ووضع العلم اللبناني. عادوا إلى الوحدة «الإسلامية ـــ المسيحية»، الصليب إلى جوار الهلال، وغابت أغنيات ماجدة الرومي وجوليا بطرس.
هؤلاء الشباب يتحدثون عن اقتناعهم بمسؤولية حزب الله، «مالك أمن المطار»، عن اغتيال الحسن، وبغطاء ميقاتي له. مقتنعون أيضاً بأن التغيير آت، وقد بدأت ثورة الأرز بخيمة نصبها سامي الجميّل. فاتهم الدعم الدولي لميقاتي، ورفض عدد لا بأس به من الناس أن يكونوا مجدداً «كبش محرقة». اقتناع لا يلغيه واقع الحال، فسألت إحدى المشاركات متهكّمة: «أين نديم (قطيش)؟».