الهدف المتوخى: إيجاد حلّ لهاجس الناخبين المسيحيين كون الصيغة الحالية تتيح انتخاب 23 نائباً مسيحياً ضد خيارات الناخبين المسيحيين.أولاً ــ الصيغة الأكثرية والدوائر الصغرى
قبل البدء في تحديد حجم تأثير الناخبين المسيحيين في اختيار نوابهم، يجب تحديد آلية احتساب هذا التأثير. وفق الصيغة الأكثرية، بقدر ما ترتفع نسبة الناخبين المسيحيين في الدائرة يزداد تأثيرهم في اختيار نوّابهم، إذ يحصد أصحاب أكثرية الأصوات المقاعد. لذا، لكي توفر الدوائر الصغرى حلاً للتمثيل المسيحي، يفترض أن تتوافر فيها بعض المواصفات، أبرزها تقسيم الدوائر الكبيرة المختلطة إلى دوائر صغرى، يتوفر في كل منها الترابط الجغرافي والتناسب الديموغرافي والطائفي.

ستعتمد الدراسة أن وجود نسبة 70% أو أكثر من الناخبين المسيحيين في الدائرة يسمح باعتبار التأثير المسيحي أساسياً ونسبة 50% إلى 70% ذات تأثير فاعل. الهدف من تحديد هذه النسب هو تحديد مقياس ولو اعتباطي. لا يمكن التحدث عن القوة الذاتية لناخبي الطائفة إلا وانتقلنا إلى روحية صيغة اللقاء الأرثوذكسي، حيث تنتخب كل طائفة ممثليها. الدوائر الصغرى هي استمرارية لتراث انتخابي لبناني وهي تسعى إلى حلّ الإشكالية الانتخابية التي تؤدي إلى إمكانية فوز 23 من النوّاب المسيحيين ضد إرادة غالبية الناخبين المسيحيين بسبب حجم الدائرة الانتخابية وانعدام التوازن في التوزيع الطائفي للناخبين.
يتميز مشروع القوات اللبنانية ــ بطرس حرب، الذي قسّم لبنان إلى خمسين دائرة بعدم الجدية، ويفتقر إلى المعايير العلمية، كما أنه لا يحترم الديموغرافيا. وكأن الهمّ الأساسي لواضعيه تشريع الفوز في الانتخابات لفريق 14 آذار، ولو على حساب صحة التمثيل المسيحي. سعى المشروع إلى المحافظة على الواقع الحالي نفسه، بحيث إنه قسّم الدوائر بخلفية سياسية توفر الفوز لتحالف 14 آذار وليس إلى تحسين التمثيل المسيحي، وذلك في جميع الدوائر.
تكفي مراجعة التوزيع الديموغرافي والطائفي للناخبين في الدوائر المقترحة.
1- في دائرة عكار الحالية، يشكل الناخبون المسيحيون نسبة 28.9%، ويمثل السنّة نسبة 65.2%، ما يسمح للناخبين السنة باختيار النواب المسيحيين بمعزل عن رأي الناخبين المسيحيين. (مثال: في انتخابات 2009، تفوّقت لائحة 8 آذار لدى المقترعين المسيحيّين بنسبة 63.4%، أي بفارق 9183 صوتاً عن لائحة 14 آذار، ولدى المقترعين العلويّين والشيعة بنسبة 90.1%، أي بفارق 7100 صوت. لدى المقترعين السنّة والدروز، تفوّقت لائحة 14 آذار بنسبة 78.7%، أي بفارق بلغ 55350 صوتًا عن المعارضة. هذه النتائج أدت إلى فوز جميع أعضاء لائحة 14 آذار).
بحسب اقتراح مشروع القوات وبطرس حرب، يبدو واضحاً التوجه للمحافظة على الصيغة الحالية عينها. إذ خصصوا دائرة للمسيحيين تبلغ نسبة المسيحيين فيها 61.5%، ما يعادل 63 ألف مسيحي ونسبة السنّة 35.6% (36 ألف ناخب)، ما يضمن فوز لائحة 14 آذار بأصوات الناخبين السنّة، علماً بأن لجنة بكركي تداولت خلال المناقشات دائرة في عكار تتوافر فيها جميع المواصفات (مترابطة جغرافياً، تضم 63 ألف ناخب مسيحي و6600 ناخب سني، أي أن نسبة المسيحيين تصل إلى نحو 90%). تتيح هذه الدائرة للناخبين المسيحيين القدرة على انتخاب ممثليهم.
الهدف من هذا الاقتراح توفير الفوز لأعضاء لائحة 14 آذار بأصوات الناخبين السنّة ضد إرادة الناخبين المسيحيين. في إسقاط نتائج 2009 على هذه الدائرة: حقق مخايل الضاهر نسبة 61% من المسيحيين، وهادي حبيش 36.3%، ما يعني فارق 9500 صوت للضاهر في حال مشاركة 60% من الناخبين المسيحيين، وحقق مخايل الضاهر 14.6% من أصوات الناخبين السنّة وهادي حبيش 81.4%، ما يعني فارق 14700 صوت لصالح حبيش في حال مشاركة 60% من الناخبين السنّة. تبين هذه الأرقام أن إضافة عدد الناخبين السنّة ستوفر الفوز لهادي حبيش بأصوات الناخبين السنّة بفارق 5300 صوت.
2- في دائرة طرابلس يشكل الناخبون المسيحيون نسبة 10.7%. في اقتراح القوات _ حرب، استحدثوا دائرة مؤلفة من التبانة والزاهرية والميناء تضم 15.8% من الناخبين المسيحيين، ما يعادل 14500 ناخب مسيحي، وتضم 69.1% من الناخبين السنة (63400 ناخب)، علماً بأن لجنة بكركي تداولت خلال المناقشات دائرة للمسيحيين، تضم 20 ألف ناخب مسيحي (26.2%) و52 ألف ناخب سني (69.2%). تمنح هذه الدائرة للناخبين المسيحيين تأثيراً أفضل من الصيغة السابقة.
بالنسبة إلى المقعد العلوي، وضع في دائرة تضمّ 600 ناخب علوي، فيما تضم الدائرتان الباقيتان 14 ألف ناخب، و3 آلاف.
3- في البقاع الغربي _ راشيا، يشكل الناخبون المسيحيون نسبة 23.8%. قسم المشروع هذه الدائرة إلى دائرتين، تضم كل منهما ثلاثة مقاعد، من دون مراعاة التوزيع الديموغرافي، إذ تضم الأولى 83 ألف ناخب، وتضم الثانية 43 ألفاً. أما المسيحيون فتراوحت نسبتهم بين 22.6% و24.3% في كلّ من الدائرتين، بدون أي تحسين ولو نسبي لوضعهم، علماً بأنهم كانوا قادرين على تقسيم ديموغرافي متناسق، يحسّن من التمثيل المسيحي، ويقوم على إقامة ثلاث دوائر، تضم كلّ منها دائرتين. ويتراوح عدد الناخبين فيها بين 40 إلى 43 ألفاً، وتصل نسبة الناخبين المسيحيين في إحداها إلى 42.1%.
4- في بعلبك الهرمل، يشكل الناخبون المسيحيون نسبة 14.2%. تضم الدائرة المخصصة للمسيحيين في مشروع القوات 66.2% من الناخبين المسيحيين، علماً بأنه كان بوسعهم أن يرسموا دائرة تضمّ 74.5%.
يبرز في مشروع القوات تناقض كبير في توزيع أعداد الناخبين. ففي دائرتين مخصصتين للشيعة، تضمّ كلّ منهما مقعدين، يصل العدد إلى 132 ألفاً في الأولى، و44 ألفاً في الثانية!
5- في زحلة، يشكل الناخبون المسيحيون نسبة 57.3%. حتى في زحلة، غابت الرحمة عن مشروع القوات، ففيما التزموا بما يفرضه عليهم الواقع الديموغرافي لجهة إنشاء دائرتين، تضمّ كلّ منهما مقعداً للمسيحيين وآخر للمسلمين، يطغى الصوت السني على إحداها والشيعي على الثانية. بقيت ثلاثة مقاعد مسيحية كان يمكنهم الاعتماد على مدينة زحلة ومحيطها القريب، حيث يوجد أكثر من 80% من الناخبين المسيحيين، بل عملوا على ضم قرى سنّية، أبرزها سعدنايل إلى زحلة ليصبح عدد المسلمين في هذه الدائرة 26 ألفاً، مقابل 59 ألفاً للمسيحيين، أي بنسبة تمثيل مسيحي تصل إلى 70%. يتبيّن مجدداً أن الهمّ الرئيسي للقوات وحرب هو التشريع لفوز 14 آذار وليس تصحيح التمثيل المسيحي.
الهدف من هذا الاقتراح توفير الفوز لأعضاء لائحة 14 آذار بأصوات الناخبين السنّة ضد إرادة الناخبين المسيحيين. في إسقاط نتائج 2009 على هذه الدائرة: حقق الياس سكاف في مدينة زحلة وجوارها نسبة 53.8% من المسيحيين، وطوني أبو خاطر 43.8%، ما يعني فارق 4000 صوت لسكاف في حال مشاركة 60% من الناخبين. بعد ضمّ سعدنايل وجوارها إلى مدينة زحلة، يحقق الياس سكاف 45.3% وطوني أبو خاطر 52.8%، ما يعني فارق 3000 صوت لصالح أبو خاطر.
6- في المتن، نلمس من مشروع القانون عدم اعتبارهم الأرمن كمسيحيين ومحاولة تهميشهم، حتى لو أدى ذلك إلى تشويه في التمثيل الماروني. إذ إن هناك مقعداً مارونياً لثمانية آلاف في دائرة الأرمن، ومقعداً لـ 28 ألفاً في الدائرة الثانية تحاشياً للتوسيع المنطقي لدائرة برج حمود، بحيث لا تضم ثلاثة مقاعد، يكون الصوت الأرمني (غير المسيحي؟) فيها مؤثراً. أما بالنسبة إلى الكاثوليك، فقد أعطوا مقعداً في الدائرة الثانية التي تضمّ 6 آلاف ناخب وليس للدائرة الثالثة التي تضم 8 آلاف.
7- في عاليه، يشكل الناخبون المسيحيون نسبة 42.3%. حافظ المشروع على روحية صيغة قانون الستين التي تبقي الصوت الدرزي مرجحاً في الدائرتين، إذ قسموا عاليه إلى دائرتين. في الأولى 24 ألف درزي، وفي الثانية 40 ألفاً. تراوحت نسبة المسيحيين بين 31.9% و53.5%، علماً بأنه يمكن تحديد دائرة تضم المقعدين المارونيين وتكون نسبة المسيحيين فيها 87.6%.
8- في الشوف، كان يمكن تقسيم الشوف إلى أربع دوائر شبه متوازنة، تضمّ كلّ منها مقعدين (2 دروز، 2 سنّة، 2 موارنة، 1 ماروني وكاثوليكي). وتكون نسبة المسيحيين في إحدى الدوائر 92.3%، و85.1%. لكن المشروع أنشأ دائرة من ثلاثة مقاعد مارونية تصل فيها نسبة الناخبين المسيحيين إلى 86.4%، أما المقعد الكاثوليكي فانتقل إلى دائرة الدروز، حيث نسبة الناخبين المسيحيين 16.8%.
9- في بيروت، التي قسمت إلى سبع دوائر، وضع مشروع القوات المقعد الماروني في الأشرفية، حيث يوجد 5800 ناخب، وليس في الدائرة الثانية (الرميل والصيفي) حيث يوجد 9500. (الجميّل)
ووضع مقعد للأرمن في الدائرة الرابعة، حيث يوجد 3800 أرمني وليس في الأولى حيث يوجد 9700 أرمني. (أوغاسبيان)
ووضع الإنجيلي في الدائرة السابعة، حيث يوجد 630 ناخباً، علماً بأن الدوائر 2 إلى 4 تضم كلّ منها بين 1400 و1900 ناخب!
أمّا مقعد الأقليات فوضع في الدائرة الثانية، حيث يوجد 3600 وليس في الدائرة الأولى حيث يوجد 6600.
10- في صور، يبدو واضحاً عدم اعتبار صور جزءاً من الوطن، إذ لم تذكر أسماء القرى في مشروع القانون الذي اكتفى بذكر دائرتين من دون توزيع القرى، بخلاف بقية الدوائر، كونها دائرة شيعية بحتة لم يولوها اهتمامهم، فيما أولوا اهتماماً للدائرة السنية.
أما في تعديل المقاعد، فيقترح مشروع القانون تعديل المقاعد بما يخدم مصالح قوى 14 آذار الانتخابية من دون أي إسناد علمي، إذ اقترحوا نقل المقعد السني من دائرة بعلبك الهرمل إلى دائرة عكار. والمقعد الماروني من طرابلس إلى البترون، علماً بأن عدد الموارنة المسجلين في قضاء البترون بلغ 42926، وبلغ عدد المقترعين الموارنة 25300 ولديهم مقعدان، بينما بلغ عدد الموارنة المسجلين في قضاء جبيل 54581، وبلغ عدد المقترعين 37500 ولديهم مقعدان. لو كانوا يرغبون في التصحيح العادل لوجب اقتراح نقل المقعد الماروني من طرابلس إلى جبيل، لكن الهدف من اقتراحهم هو ضمان فوز لائحة 14 آذار في دائرة البترون بالمحافظة على التحالف بين القوات والكتائب وحرب، ذلك مع العلم بأن التصحيح يجب أن يشمل مناطق وطوائف أخرى لم يتطرق إليها مشروع القوات الذي هدف فقط إلى تشريع فوز قوى 14 آذار وليس تصحيح التمثيل.
إعادة النظر بتوزيع المقاعد على الطوائف وتصحيحها لتصبح نسبية بين طوائف كل من الديانتين الإسلامية والمسيحية تؤدي حسابياً إلى الآتي:
لدى المسلمين: السنّة 28.6 مقعداً والشيعة 28.7 مقعداً، والدروز 5.8 مقاعد والعلويين 0.9 مقعد.
لدى المسيحيين: الموارنة 35 مقعداً والأرثوذكس 12.2 مقعداً والكاثوليك 8.4 مقاعد والأرمن الأرثوذكس 4.4 مقاعد والأرمن الكاثوليك مقعد واحد والإنجيليون 0.9 مقعد، والأقليات 2.2 مقعد.
أمام مشروع مماثل، يكون من العبث مناقشة أنه وضع لتحسين التمثيل المسيحي. لأنه يبدو واضحاً أن همّ معديه لم يكن في لحظة حسن التمثيل المسيحي بقدر ما كان تأمين الفوز لقوى 14 آذار. وبالطريقة نفسها لقانون الستين: أي الاستعانة بأصوات الطوائف الأخرى لتأمين الفوز. علماً بأنه بحسب هذا الاقتراح تصل قدرة المسيحيين إلى اختيار 41 نائباً ويؤثرون في نجاح سبعة نواب من طوائف أخرى.
النسبية:
يقوم مبدأ النسبية على إعطاء قيمة لأي صوت، إذ إن المقاعد توزع نسبة إلى عدد الأصوات، فكل زيادة في أصوات اللائحة تزيد من حظوظها في الحصول على مقعد إضافي. في الدائرة الانتخابية لا يوجد خاسر ورابح. في حساب الأصوات وتوزيع المقاعد، بحسب الصيغة النسبية، الجميع سيربح عدداً من المقاعد يساوي نسبة الأصوات التي حققها.
لاحتساب تأثير الصوت المسيحي، يجب احتساب الكوتا الانتخابية في الدائرة التي تساوي عدد الأصوات التي يجب أن تسجلها اللائحة للحصول على مقعد. لاحتساب تأثير أي مجموعة سياسية أو طائفية في الدائرة، يجب قسمة عدد ناخبيها على الكوتا.
مثال:
في دائرة زغرتا، الكورة، البترون وبشري، يبلغ عدد الناخبين 232 ألفاً و315. وهي تضم عشرة مقاعد. تكون الكوتا 23 ألفاً و232 أي كلّ 23 ألفاً و232 ناخباً يستطيعون إيصال نائب.
بما أن عدد المسيحيين يساوي 210 آلاف و315 فتبلغ قدرتهم في هذه الدائرة 9 مقاعد. أمّا المسلمون الذين يبلغ تعدادهم 22 ألف ناخب فتبلغ قدرتهم مقعداً واحداً.
إذا احتسبنا عدد المقاعد (على الدوائر الـ 13) على هذا الأساس تبلغ قدرة المسيحيين 53.7، أي 53 نائباً. أمّا زيادة الدوائر (15 دائرة) وتعديل بعضها الآخر فيزيد قدرتهم مقعداً.
* رئيس مركز الإحصاء والتوثيق كمال فغالي