بعد توقيف الوزير السابق ميشال سماحة، أتت «العمليات العسكرية لآل المقداد»، لتشحن معنويات جمهور قوى 8 آذار. العنوان جذاب لهذا الجمهور: ملاحقة مقاتلي «الجيش السوري الحر». فوجود هؤلاء المسلحين في لبنان بات بحكم «الضروري والشرعي والمؤقت»، تماماً كما كان وجود الجيش السوري في لبنان قبل العام 2005، بنظر معظم الطبقة السياسية. وبعدما حظي هؤلاء المقاتلون بحماية الأمر الواقع في الشمال، وفي بعض بلدات البقاع، خرج مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر ليسبغ على وجودهم شرعية قانونية.
صار توقيف المقاتل السوري على الأراضي اللبنانية لا يكلفه سوى مصادرة سلاحه، ثم إطلاق سراحه، من دون ملاحقته قضائياً. وبعض هذه الفئة من المعارضة السورية يعلن مواقفه جهاراً: بعد النظام السوري، أعداؤنا هم حلفاؤه اللبنانيون. امام هذا الواقع، وبعد نكسة توقيف سماحة، وجد جمهور قوى «شكراً سوريا» نفسه مغتبطاً لوجود من يتولى مطاردة هؤلاء المقاتلين. وشعار «ابن المقداد يمثلني» الذي ظهر كواحد من الطرائف الغزيرة التي بثها اللبنانيون في الساعات الأخيرة، يعبّر إلى حد بعيد عما يريده مناصرو 8 آذار.
لكن الانتقال من مستوى الجمهور إلى المستوى السياسي في هذه القوى يُظهر أبعاداً اخرى لما يجري. في البداية، ثمة جانب «إيجابي» يراه سياسيو 8 آذار: ألا يبقى مقاتلو المعارضة السورية مرتاحين في لبنان. أن يأخذوا حذرهم، ولو قليلاً، في ظل تخلي السلطة عن مسؤولياتها. أضف إلى ذلك ان ما جرى يبعد الأضواء الإعلامية عن قضية توقيف سماحة، «رغم تفاهة الرأي القائل إن قوى 8 آذار دفعت بآل المقداد لفعل ما فعلوه، لتغطية قضية سماحة». فالفريق الممسك بالحكومة، ولو صورياً، يبدو مدركاً لخطورة ما جرى خلال اليومين الماضيين. ثمة مسار يعمّق حفرة قبر الدولة في لبنان. وهذا المسار بدأ منذ سنوات، لكنه تجذّر بعدما أُخرِج شادي المولوي من التوقيف، ونقل إلى مدينته بموكب وزاري، ثم أقيم له استقبال رئاسي. وبين توقيفه وإطلاق سراحه بطلاً، انتقلت الدولة إلى طرابلس للتفاوض مع مسلحين يحتلون شوارعها. وعندما أقفل الشيخ أحمد الأسير باعتصامه طريق الجنوب، فرّ رجال الدولة من امامه، مكتفين بتلقي مطالبه. وفي قضية المخطوفين اللبنانيين في سوريا، لا أثر لوجود الدولة. الامر متروك بيد «أبو ابراهيم» ومن يحرّكه استخبارياً وبعض وسائل الإعلام اللبنانية. ماذا بقي لعشيرة لا يمون عليها أحد؟ لا شيء سوى ما قامت به. يشدد مسؤولون في قوى 8 آذار على أن عرضهم هذا للوقائع لا يعني تبرير ما جرى. بل على العكس من ذلك، فهم بدأوا يلمسون خطورة احداث اليومين الماضيين على استمرارية الدولة، «التي لا تزال سلطتها محسوبة علينا. والدولة هي مشروعنا في النهاية، رغم كل ضجيج الطرف الآخر». يرى هؤلاء في ما تشهده الشوارع خطراً يمكن أن ينتقل إلى ما هو أسوأ في أي لحظة. بعض سياسيي هذا الفريق صار يقولها علناً: نحن نعيش مرحلة شبيهة بتلك التي مر بها لبنان قبل العام 1975. السلطة السياسية تتفرج. والأجهزة الامنية والقضائية تأتمر بأوامر هذه السلطة، وتحتاج لغطاء سياسي للقيام بأي خطوة مهما كانت هامشية.
وتستدل هذه القوى على موقفها بأن حزب الله وحركة امل مارسا «أقصى ما يمكنهما» من ضغوط على آل المقداد من اجل عدم الاستمرار بأعمال الخطف. وهذا ما حصل، «لكننا لا نستطيع ان نمون اكثر من ذلك». وفي مداخلة رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النيابية في جلسة الحوار امس، قال للحاضرين بوضوح: فلتعمل القوى الأمنية في الضاحية بكل حرية. وليدخل الجيش الضاحية وليوقف من يشاء، ويلاحق من يشاء.
ثمة خطر آخر يستشعره فريق الثامن من آذار. يبدو لها أن خلف ستار الاحداث من يريد الإيقاع بين المقاومة وجمهورها الأقرب. ومن يريد هذا الهدف يستند إلى غياب الدولة اللبنانية عن كل الملفات الشائكة التي يواجهها المجتمع.
ما العمل؟ لا تزال القوى السياسية تتعامل مع الامر، رغم خطورته، كما لو انها في برنامج حوار متلفز دائم. حتى في جلسات الحوار المغلقة، يكرر كل طرف موقفه، وعينُه على ما ستنقله وسائل الإعلام عنه بعد الجلسة. ويوم امس، كان محور الكلام: عمل مناصريكم مقزّز. لا، عمل مناصريكم انتم هو المقزّز.