فوجئ رامي (اسم مستعار)، الناشط الطرابلسي في المخيمات الفلسطينية وهيئات المجتمع المدني في الشمال، برسالة وصلت إلى بريده الإلكتروني قبل أيام، تدعوه للمشاركة في «حوار عربي ـــ إسرائيلي» من أجل «التفاهم والسلام». هذا الحوار الذي ينظمه «المركز الدولي لدراسات التطرّف والعنف السياسي» في لندن، يمتد على فترة أربعة أشهر مدفوعة التكاليف. صدمة رامي جاءت على مرحلتين. فبعدما استفزّه عنوان الدعوة ومضمونها، فوجئ بأن مرسلة الإيميل هي صحافية أجنبية عمل معها مترجماً خلال معارك باب التبانة ـــ جبل محسن (ما قبل الأخيرة) منذ أشهر.
«استغربتُ لأنها تعرفني وتعرف مبادئي وموقفي من الاحتلال ودعمي للمقاومة وللشعب الفلسطيني، فقد تكلّمنا عن ذلك مراراً»، يقول رامي مدهوشاً. وفي الرسالة ـــ الدعوة تتوجّه الصحافية الهولندية إلى رامي مشجّعة بالقول إنها عملت في المركز المضيف صاحب الدعوة، وإنها ترى فيه «الشخص الأمثل للمشاركة في النشاط». ولم تمض ساعات حتى تلقّى رامي اتصالاً من صديق طرابلسي وناشط في مؤسسات المجتمع المدني أيضاً، يبلغه عن رسالة مشابهة «غريبة الأطوار» تلقّاها من الصحافية نفسها تدعوه للمشاركة في «الحوار» نفسه.
رامي وصديقه يعملان في أوقات فراغهما، كما عدد كبير من الناشطين في بيروت وطرابلس ومناطق الأحداث اللبنانية، مترجمين وأدلّاء للصحافيين الأجانب الذين يغطّون هذه الأحداث. وفيما يقدّم الشباب خدماتهم للمراسلين الأجانب ويساعدونهم في تنفيذ عملهم، يبدو أن بعض هؤلاء الصحافيين يدوّن ملاحظات «مفيدة» عن مساعديهم و«يصنّفونهم» حسب معايير معينة كي يعاودوا الاتصال بهم «عند الحاجة». و«الحاجة» هذه لا تكون في أغلب الأحيان «بريئة» ذات طابع صحافي أو إنساني، بل سياسية توظيفية بحتة، تماماً كما حصل مع رامي وصديقه.
بعد اطلاعنا على نصّ الرسالة الإلكترونية والدعوة المرفقة بها، وبحثنا في هوية الجهة الداعية وأهدافها، بات بإمكاننا الجزم بأن إسرائيل واللوبي الذي يخدم مصالحها حول العالم حدّدا «أهدافاً بشرية» للتوظيف، وهما يستخدمان بعض الصحافيين، بعلمهم أو بغير علمهم، لـ«اصطياد» هؤلاء «الأهداف». والمستهدفون المعلنون، حسب دعوة «المركز الدولي لدراسات التطرّف والعنف السياسي»، هم «ناشطو المجتمع المدني والشباب العاملون في مجالات التربية والإعلام والسياسة».
إعلان الدعوة لـ«الحوار» يقول: «نسوّق لطريقة تفكير جديدة بين القادة الشباب، وخصوصاً من بين العاملين في الحكومات، والبزنس، وفي المجالات الأكاديمية والإعلام ممن تخوّلهم مواقعهم التأثير في السياسات والرأي العام في إسرائيل والعالم العربي. إضافة إلى الإسرائيليين نبحث عن شباب من مصر والأردن ولبنان وسوريا وفلسطين فقط، ونشجّع مشاركة النساء». هو إعلان لمنحة بعنوان «الحوار العربي ـــ الإسرائيلي» مقدّمة من «المركز الدولي لدراسات التطرّف والعنف السياسي» The International Center For the Study Of Radicalisation (اختصاراً ICSR) بالتعاون مع مؤسسة «آتكين» Atkin، لتمضية أربعة أشهر في المركز في حرم «كينغز كوليدج» في لندن، ومن خلاله الانخراط في فريق المركز.
من بين شروط التقدم إلى طلب المنحة الإجابة على سؤالين: «كيف ستؤثر هذه المنحة على مهنتك وتطورك الشخصي لاحقاً؟» و«بنظرك، ما هي أكثر الوسائل التي ستؤثر إيجاباً في النزاع العربي ـــ الإسرائيلي؟».
قد يرى البعض في هذه المنحة فرصة مسالِمة لفتح باب حوار بنّاء حول السلام وكيفية حلّ النزاع العربي ـــ الإسرائيلي، وقد يشعر آخرون، مسالمون أيضاً، أنهم يودّون إيصال رسالة إيجابية لـ«الآخر» الإسرائيلي لعلّهم يسهمون في بناء مستقبل أفضل معاً.
لكن مجرّد إلقاء نظرة سريعة إلى شركاء ICSR والراعين لنشاطاته يحسم هوية المركز وأهدافه وطموحات نشاطاته ومِنَحه ذات الغطاء الجامعي ـــ الأكاديمي.
فالمركز اللندني يوضح على موقعه الإلكتروني أن «شركاءه» هم خمس مؤسسات جامعية، هي إضافة إلى «كينغز كولج» و«جورج تاون» و«جامعة بنسلفانيا» و«المعهد الأردني للدبلوماسية»، «مركز هرتزيليا» الإسرائيلي. وهذا الأخير هو أهمّ المراكز الأكاديمية ـــ العسكرية ـــ السياسية الإسرائيلية الذي ينظّم «مؤتمر هرتزيليا» الإسرائيلي الدولي الشهير، والذي يضع «الفلسفة الصهيونية»، و«تخريج قادة إسرائيليين» و«الحصانة القومية لإسرائيل» إحدى أهم ثوابته وأهدافه .
أما أهداف ICSR المعلنة والمنشورة على موقعه الإلكتروني، فتتعدد بين «حلّ النزاعات» و«الدبلوماسية» و«الاستراتيجية» و«مكافحة الإرهاب» و«الأمن». وعن برنامج المنحة نفسه، يقول المركز إنه أحد أبرز النشاطات التي يقوم بها، والتي يسهم من خلالها في «خلق قيادات شبابية معتدلة التوجهات على طرفي النزاع العربي ـــ الإسرائيلي».
يضمّ المركز طاقات بشرية ناشطة من أردنيين ومصريين ولبنانيين وإسرائيليين من أصحاب خلفيات مهنية وعلمية مختلفة: مدرّسين، مهندسين، ناشطين في المجتمع المدني وإعلاميين وناشطين حقوقيين ومتخصصين في الحركات الإسلامية و«القاعدة»... ومن بينهم ناشطة لبنانية تُدعى سارة كيلاني، متخرّجة من الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت. وهي، كما يعرّف عنها المركز ، ناشطة في مؤسسات المجتمع المدني، وعملت في إحدى المؤسسات التي تعنى بالشؤون النسائية في لبنان، وشاركت مع «الجمعية اللبنانية لمراقبة ديمقراطية الانتخابات» في الإشراف على سير الانتخابات عام 2010 قبل أن تنضم إلى ICSR منذ أشهر، وهي تهتم حالياً بوضع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ودور المجتمع المدني في حلّ مشاكلهم الاجتماعية ـــ الاقتصادية.
الدعوة قد ترسل إلى ناشطين كثر في لبنان، فهل من سيلبّيها؟