استهلّ نائب وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان اللقاء بالحديث عن الأزمة السورية، وكان حريصاً على شرح موقف بلاده قائلاً: «ليست لدينا شهية لعملية عسكرية في سوريا، ولا نعتقد أن في العمل العسكري شيئاً من الحكمة؛ لأن ذلك قد يفيد النظام السوري كما يفيد إيران، وقد يستدرجنا الطرفان إلى ساحة قتالهما. أما توفير المساعدات للسوريين، فهذا موضوع آخر، سواء من خلال المساعدات الإنسانية أو التجهيزات غير العسكرية، لا أعرف. لكن علينا أن نكون مرنين في تحديد مسألة العتاد غير العسكري، ويجب التحرك أكثر لإقناع الدول التي قد تمارس ضغوطاً على النظامين السوري والإيراني، وعلى روسيا والصين وآخرين».
أضاف المسؤول الأميركي: «بالنسبة إلى الصين، هناك إمكانية لممارسة الضغوط عبر دول عربية وخليجية؛ لأن بكين بحاجة إلى مواد الطاقة ومواد استهلاكية. يجب أن يستمر الضغط على هذا البلد. لديّ إحساس بأن الصينيين قد يستجيبون للضغوط. وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون موجودة هناك الآن، والملف السوري من ضمن أجندتها، والصينيون ليسوا متشددين مثل الروس».
وهنا، سأل فيلتمان الرئيس فؤاد السنيورة: «ما هي نصيحتك بالنسبة إلى مقاربتنا للموقف الروسي؟ يُقال بأنهم لا يكترثون لمصير (الرئيس السوري) بشار الأسد، وإنما تهمّهم مصالحهم. أرى أن من مصلحتنا أن نجعل روسيا جزءاً من الحل، بدل أن تكون جزءاً من المشكلة».
فردّ السنيورة: «لقد قلت للروس إنهم البلد الوحيد في المنطقة الذي يستطيع إزاحة بشار واستبداله بالمعارضة. ذكّرتهم بأن لدينا، في المنطقة، عادة إحراق العلم الأميركي، واليوم أصبحت لدينا عادة إحراق العلم الروسي، وعليهم أن يعملوا على وقف هذه العادة. هذا الكلام قلته لهم قبل سبعة أو ثمانية أشهر».
فيلتمان: «يبدو أنكم لا تحرقون ما يكفي من الأعلام الروسية. واضح أننا نرحب بأفكاركم بشأن روسيا».
السنيورة: «لقد عدت من مصر قبل مدة قصيرة، والتقيت هناك بشيخ الأزهر وآخرين. الوضع في مصر غير واضح، لكن يبدو أن القوى الإسلامية في تراجع».
يجيب فليتمان (متفاجئاً): «هل هذا صحيح؟ لماذا؟».
السنيورة: «أولاً، لأن الإسلاميين وعدوا في البداية بأنهم لن يترشحوا لموقع رئاسة الجمهورية، وفعلوا عكس ذلك، كذلك سعوا إلى الحصول على مقاعد برلمانية أكثر مما طالبوا به علناً».
وبالانتقال إلى الحديث عن الوضع الداخلي في لبنان، قال فيلتمان: «أنا أستغرب أمرين: أولهما الحدّة التي يتحدث بها الناس، ولا سيما خلال تناول الطعام، عن هذه الحكومة التي تسمح بانقلاب سياسي لحزب الله. والثاني أن كل الذين تحدثت معهم كانوا قلقين من الأوضاع المالية للبلاد أكثر من أي وقت مضى».
فردّ السنيورة: «سأحدثك عن ذلك. أنت ترى كيف تتعاطى هذه الحكومة حيال عدد من القضايا. لقد اتخذت مسافة من الوضع في سوريا. أنا لا أدين ذلك، فلو كنت مكانها لفعلت ما قامت به، ولكنهم ينأون بأنفسهم عن كل القضايا الأخرى. ما يحصل غير مقبول على الإطلاق. من جهة أخرى، لقد وجدوا الحل السحري لتمويل المحكمة الدولية لمدة سنة، وتمديد عملها لمدة سنة. وفي السياق نفسه، يقترفون أخطاءً يميناً وشمالاً ووسطاً، بدلاً من التعاطي مع القضايا البسيطة والتساهل إزاء انهيار الدولة. فكل وزير في الحكومة يتصرف كأنه رئيس حكومة. وكل وزير يدير حكومته الخاصة. هناك كل أشكال التجاوزات، إلى جانب ضغوط مجموعة ميشال عون التي أوصلتها الى وضع سيئ جداً. وهناك مسألة أخرى بشأن ضعف الحكومة، ولا سيما التناقض بين الجناحين التنفيذي والتشريعي».
وتابع السنيورة: «لقد سافر نبيه بري إلى قبرص لمناقشة الحدود البحرية، واتصل برئيس الحكومة نجيب ميقاتي وقال له: أنا عائد».
هنا، قال أحد الحضور من 14 آذار: «يجب الاستفادة من التراجع في شعبية عون والتغيرات التي تحدث بالنسبة إلى حزب الله. نتمنى ألا نخطئ وأن يستمروا (فريق 8 آذار) في ما يقومون به من أخطاء».
فقال فيلتمان: «هم (8 آذار) أنفسهم المعارضة في خطاباتهم ويتصرفون وكأنهم لا يزالون يحاربون الحكومة» (ضحك).
وعلّق السنيورة: «لقد خاضوا مناورة كبيرة في موضوع الموازنة، وألهوا الناس لمدة سنة ونصف سنة ليحجبوا الأنظار عما حدث منذ عام 2005».
وهنا سأل فيلتمان: «هل من مصلحتنا إسقاط هذه الحكومة قبل الانتخابات النيابية؟».
فأجاب السنيورة: «أعلم أن ذلك لن يحدث غداً. لكن هذه الحكومة لا يمكن الوثوق بها لإجراء الانتخابات النيابية؛ لأنها غير محايدة، وهذا الوضع لا يمكن أن يستمر».
فقال فيلتمان: «سأبلغ ميقاتي بذلك. سأراه الليلة. هو يعدّ نفسه قائداً سياسياً، ولا أظن أن لهذه الحكومة شعبية في طرابلس».
يتدخل محمد شطح: «لا، لا شعبية لها في طرابلس، وميقاتي يحاول أن يقدم نفسه كضحية لميشال عون».
فيلتمان: «هذا البلد غريب. إنه أغرب مما تركته حينما غادرت موقعي سفيراً في بيروت».
يتدخل السنيورة: «ركّاب القطار (تعبير مجازي عن الحكومة) يحاولون القفز منه».
فيلتمان: «هل يستطيع ميقاتي أن يكون جزءاً من عملية تغيير الحكومة، بدل أن يكون جزءاً من المشكلة؟».
يجيب السنيورة: «يمكن أخذ ذلك في الاعتبار إذا كان ميقاتي لا يريد مستقبلاً سياسياً لنفسه أو إذا غيّر من موقفه الحالي. أنا لا أراه يتصرف بنحو فعّال وجيد. انظر كيف تتصرف الحكومة حيال الإضرابات والحركة النقابية. لم أرَ مثيلاً لهذه التصرفات في حياتي. كل هذه الاتحادات النقابية مفبركة من قبل أعضاء الحكومة، وكلها بقيادة حركة أمل وحزب الله».
تتدخّل السفيرة الأميركية مورا كونيللي بسخرية: «هذه حكومة يسيطر عليها حزب الله ويحركها».
فيلتمان للحضور: «نستطيع إسقاط الحكومة إذا كان وليد جنبلاط معنا في التصويت في البرلمان أو إذا قدم ميقاتي استقالته. اليس كذلك؟ أليس هذان هما الخيارين المتاحين؟»
النائب باسم الشاب: «قد نستطيع إسقاط الحكومة من طريق العصيان المدني».
السنيورة: «أعتقد أن ذلك يحدث من خلال إقناع ثم إقناع ثم إقناع وليد جنبلاط. هذا الأمر يمكن أن ننفذه ما بقيت هذه الحكومة؛ فمستوى التوتر سيكون عالياً، ولن يتحفظ. أعرف أن هناك قلقاً لدى السفيرة مورا كونيللي حيال إمكان حدوث أعمال عنف في لبنان. فهناك شعور بالتوتر لم نسمع به من قبل». وأضاف: «في الحقيقة، إن محاولة اغتيال (رئيس القوات اللبنانية سمير) جعجع كانت سيئة. هل شاهدت المكان الذي جرت فيه محاولة الاغتيال؟».
فيلتمان: «كان ذلك مخيفاً».
السنيورة: «فعلاً، كانت هناك نية لقتله، يبدو أنه كان هناك ثلاثة قناصين يصوّبون بنادقهم باتجاهه. لكن يبدو أن الريح والمسافة، أو عناصر من هذا القبيل، لم تسمح لهم بإصابته، كما نقول في العربية: قُدّر له أن يعيش. من جهة أخرى هناك شعور بالتوتر لدى الكثير من اللبنانيين. لديهم شعور بأنه إذا أدرك النظام السوري أنه سيسقط وفقد كل خياراته، فقد يلجأ إلى مثل هذه الأساليب في لبنان. فالسوريون لا يزالون ينفون مسؤوليتهم، ولكننا نفهم أن سقوط النظام في سوريا عملية بطيئة وستأخذ بعض الوقت حتى تتراكم الأحداث ليتحقّق انهيار النظام. وفي مطلق الأحوال هناك اعتراف كامل بعدم إمكانية العودة إلى الوراء».
(الأخبار)