قوى 14 آذار تلملم نفسها. سياسياً، تُعقد اجتماعات في العلن وخلوات في السرّ تجري خلالها الدعوة إلى الاتفاق على الحد الأدنى من النقاط المشتركة في الملفات المطروحة، وأولها القانون الانتخابي. تنظيمياً، انطلقت النقاشات لقيام المجلس الوطني لقوى 14 آذار. وتقوم اللجنة المؤلفة من ثلاثي النائبين مروان حمادة ودوري شمعون والنائب السابق الياس عطاالله، بمهمة إدارة المشاورات الداخلية والوقوف عند مختلف وجهات النظر حيال قيام المجلس.
بعد أسابيع على انطلاق هذه العملية، انضمّ النائب السابق غطاس خوري إلى اللجنة. يقول مسؤولو 14 آذار انّ العملية التنظيمية كانت تسير ببطء فـ«تقرّر إضافة اسم رابع إلى اللجنة بهدف تسريع عملها». أما الواضح في إضافة اسم خوري، بحسب المتابعين، فهو «رغبة الرئيس سعد الحريري بأن يكون لتيار المستقبل يد في عملية الإعداد للمجلس، ليراقب عن كثب كل ما يحصل من نقاشات».
أعدّ الثلاثي، ومن ثم الرباعي، مسودته التنظيمية التي عمل عليها ما يقارب ثلاثة أسابيع، مع العلم بأنه لم يجر حتى اليوم حسم الاسم الرسمي لهذه الهيئة التنظيمية. إذ يتم، في مختلف مجالس المعارضة، عرض أكثر من صيغة وتسمية. وبين المجلس الوطني والجمعية العمومية والهيئة العامة، يناقش المعارضون مقارباتهم للوضع التنظيمي في 14 آذار والآليات اللازمة لتطويرها.
أنهى الرباعي المكلّف الإعداد لهذه العملية أولى مهمّاته الصعبة، فالتقى كلاً من الرئيسين أمين الجميّل وفؤاد السنيورة ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع. تم تسليم المسودّة التنظيمية لهذا الثلاثي الحزبي على أن تكون جولة مشاورات أخرى للاستماع إلى ملاحظاتهم واقتراحاتهم.
كان اللافت في الجولة الأولى الصمت الذي واجه به الجميّل أعضاء اللجنة. يقول مطلعون على أجواء هذا اللقاء إنّ رئيس الكتائب اكتفى بالتأكيد على ضرورة إعادة تنظيم صفوف 14 آذار وشدّد على دعمه لأي خطوة في هذا الإطار. لم يفتح الجميّل ولا أعضاء اللجنة ملف علاقة حزب الكتائب بـ14 آذار، وتحديداً بالأمانة العامة لهذه القوى التي يقاطعها الكتائبيون منذ 2010. كذلك لم يثر أي شيء يخص تدهور العلاقة، على الصعيد التنظيمي والشخصي، مع بعض من في الأمانة العامة. ترك صمت الجميّل بعض التساؤلات لدى أعضاء اللجنة وغيرهم، ويقول أحد أعضاء الرباعية إنّ «الرئيس الجميّل سيخرج عن صمته في اللقاء المتوقّع معه بعد أسبوع».
اللجنة تتابع عملها بكل جدية، ومن المتوقع أن تنهي خلال أيام مشاوراتها الأولية مع كل الحلفاء، الذين تبقى منهم حركة التجدّد الديموقراطي والكتلة الوطنية وعدد من الشخصيات المستقلة. وبعد إتمام هذه الخطوة ستعود اللجنة وتجتمع مع الجميع، كلٌ على حدة، لتستمع إلى وجهات نظرها وتدوّن ملاحظاتها. ثم تعود وتقدّم مسودة نهائية يتمّ إقرارها والعمل بها في الجلسة العامة المتوقع أن يحضرها بين 300 و400 شخصية، على شكل اجتماعات البريستول الموسّعة. وقُدِّرَت المهلة الزمنية لانعقاد هذه الجلسة العامة في فترة تراوح بين أربعة وستة أسابيع. يقول قيّمون على هذه النقاشات إنّ «البحث انطلق بجدية والمناخ جيّد ويجب استكماله بشكل أنضج». ما أصبح شبه محسوم حتى الساعة أنّ المجلس الوطني أو الجمعية العمومية أو الهيئة العامة ستضمّ بين 7 و9 أعضاء يتم انتخابهم في الجلسة العامة، على أن تتألف هذه الهيئة من رئيس ونائب له ومقررين للجان لم يحسم عددهم بعد نظراً الى تداخل الملفات والعناوين وإمكان دمج بعضها. وأكد المطلعون أنّ أياً من الأطراف لم يتقدم بطرح احترام التمثيل الطائفي في عضوية هذه الهيئة، على الرغم مما يمثّله هذا الموضوع من عقدة لدى فريق المعارضة.
الأزمة الأساسية التي دفعت قوى 14 آذار إلى السير في مشروع إعادة النظر في جسمها التنظيمي لا تزال تخيّم على أجواء الإعداد للمجلس الجديد. فما كان يترجم في الأمانة العامة من صراع بين القوى الحزبية والشخصيات المستقلة لا يزال يلاحق عمل اللجنة، وتحديداً في مناقشة وطرح حفظ كوتا تمثيلية للمستقلين في الهيئة القيادية. وهو الموضوع الذي قد يعيد الأمور إلى الوراء في العملية التنظيمية، باعتبار أنّ لا شيء محسوماً بعد بهذا الخصوص، تحديداً لجهة الصمت الكتائبي حيال هذا الأمر وموقف الأحزاب الأخرى منه.
ويؤكد أحد أعضاء اللجنة المكلفة متابعة الملف أنّ طرح قيام كوتا للمستقلين سقط. بمعنى آخر وضع واحد من الأحزاب الثلاثة، القوات اللبنانية أو تيار المستقبل أو حزب الكتائب، فيتو على الكوتا. يضيف المتحدث أنّ «العمل جار على هذا الموضوع وقد اقتربنا من الانتهاء منه، باعتبار أنه تم الاتفاق على مجموعة من المعايير لعضوية الهيئة».
الأمور التنظيمية سالكة في 14 آذار. تبقى مسألة توحيد المواقف السياسية، أي الأمر الصعب، باعتبار أنّ ثمة من يتحدث في فريق المعارضة عن استحداث وثيقة سياسية استراتيجية جديدة قد ينجح من خلالها فريق 14 آذار في دخول كتاب «غينيس» كأكثر طرف يعدّ وثائق سياسية في غضون أشهر.