كان لا بد للحكومة الحالية من أن تقدم لمواطنيها شرحاً وافياً عن مخاطر ناشطين شابين وسوء تصرفهما، وكذلك تضامن عشرات قليلة من أنصارهما، وكيف كان يمكن أن تؤدي رعونة هذه التصرفات إلى حرب أهلية في لبنان، وإلى مسّ العلاقات الطيبة بين لبنان وجارته سوريا. إلا أن حكمة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، أفضت إلى حل الأمور عبر تويتر، ومخاطبة الجمهور (المكون من عشرات) بروية من جهة، والادعاء على الشابين ودهانهما من جهة أخرى، محققاً مرة أخرى ضربة وسطية لامعة.
تمر البلاد، اليوم، في حالة نقاش جدية، وهي في مرحلة خطيرة. فمن النقاش حول عمولات البواخر، إلى نقاشات عميقة في مجلس النواب طاولت كل الاتجاهات، وشتائم متكررة من كل الجهات السياسية إلى كل الجهات الأخرى، تبين في النتيجة أنها مجرد صراخ للصراخ؛ إذ حين وصلنا إلى مرحلة تسديد اللكمات عبر طرح الثقة بالحكومة، انسحب المعارضون من القاعة، وترك سامي الجميّل وحيداً، وكان يمكن أن تسمع الشاب يسأل: «إذا لم تحاولوا ضرب الحكومة فلماذا شتمتموها؟».
من بعد النقاش البرلماني المعمّق، عاد النقاش إلى شكل قانون الانتخاب، ومن ثم هربت الحكومة والأطراف السياسية من نقاش القانون الانتخابي الذي إذا اعتُمدت النسبية فيه، يمكن أطرافاً معينة أن تحرق البلد قبل الانتخابات النيابية. غرقنا اليوم في نقاش الحكومة نفسها، أي تبديل الحكومة الحالية بحكومة تكنوقراط برئاسة نجيب ميقاتي أيضاً.
وانتشرت معلومات عن إرادة حزب الله تبديل الحكومة؛ لأنه لم يعد يحتمل، والاتجاه إلى حكومة تكنوقراط، إلا أن وزراء حزب الله قد لا يوافقون أبداً، ومن حيث المبدأ فإن الكلام الجدي يفيد بأن قيادة الحزب ترى الحكومة الحالية حكومة انتخابات عام 2013، إلا أنه لا مانع من تسويق شائعات من هنا وهناك لدى الأطراف الحكومية عن إمكانية تغيير الحكومة.
في هذه الأثناء، يخرج وزير الداخلية، الممثل الأبرز لحنكة الحكومة سياسياً وإدارياً، لا ينازعه إلا نقولا نحاس، ليقول للناس إنه سيقر القانون الذي يتفق عليه الفرقاء، وإنه بانتظار اتفاق هؤلاء، وهو بكل الأحوال حين شرح قانون النسبية الذي يقول إنه أنتجه، لم يفهم تماماً ما يقوله، إلا أن هذا نقاش آخر، وحالة قد تتكرر مع وزير الداخلية الحالي.
لكن في خضم المنعطف الكبير الذي يمر به الوطن، يخرج شابان من الدهماء ليهددا السلم الأهلي ويرسما على الجدران مجموعة شعارات لن تثير تفاعل أي من الشرائح الطائفية الكبيرة، ولكنها فقط ستشعر هؤلاء الشابين ومن مثلهما بأنهم يتنفسون، وينفسون عن غضبهم في هذا البلد، فاقتضى اعتقالهما وتوجيه تهمتين لهما: واحدة في المحكمة العسكرية، وأخرى في المحاكم المدنية، ونقلهما من مقر الشرطة العسكرية إلى مخفر إلى مخفر آخر، قبل إطلاقهما.
منذ أشهر ولبنان يشهد حالة من السلم الأهلي والأمان، من دخول الجيش الحر إلى لبنان والعمل انطلاقاً من أراضيه، وصولاً إلى تسلل مقاتلين لبنانيين إلى سوريا والمشاركة في العمليات الحربية هناك، ودعم أطراف لبنانية للثورة السورية، ودخول الجيش السوري في المقابل إلى الأراضي اللبنانية وإطلاقه النار على المناطق اللبنانية، وقتل المصور الصحافي علي شعبان.
وفي إطار حالة الأمن الشاملة، تتعرض دورية أمنية، مثلاً، لإطلاق نار في منطقة باب التبانة منذ أيام، ويمر الخبر في المتفرقات، ثم يقع انفجار في صور ويؤدي إلى سقوط ستة جرحى، وبعد تلاسن خلال تظاهرة في منطقة أبي سمرا في طرابلس دعماً للشعب السوري، يتطور الأمر إلى إطلاق نار، ما أدى إلى سقوط 4 جرحى.
فضلاً عن حالات تحريض واسعة يشهدها لبنان، من نزول أحمد الأسير إلى الوسط التجاري، وخطابه الذي بزّه فيه خطباء البرلمان في التحريض والتوتير، واعتصامه أمام البوابة الحدودية في المصنع، وكذلك خطب الجمعة في المساجد في عكار، التي يحرض بعض المتحدثين فيها على مواطنيه من الطائفة العلوية، وهم يقطنون على مبعدة خمسة أمتار من المسجد ويسمعون التحريض عليهم لمجرد انتمائهم إلى طائفة أخرى.
ولأن الاستقرار شامل في البلاد، أتى ما فعله الشابان خضر سلامة وعلي فخري شديد الشذوذ عن أحوال البلاد ونغّص نعمة العيش فيها، وكان قد سبقهما إلى هذه الفعلة الشنيعة سمعان خوام أيضاً، وأشنع ما في فعلتهم أنها لا تمت إلى أي من الطوائف اللبنانية بصلة، وأنها أدت إلى تضامن بضع عشرات، ولم تخلص إلى تبني أي جهة دينية أو مذهبية أو سياسية من تلك الجهات المسلحة على امتداد الوطن لقضيتهم، ما استوجب تلفيق أية تهمة لهم، وتحويلهم إلى القضاء المختص بالرسم على الجدران وبقمع شعارات الحرية.
عشتم وعاش لبنان.