مع اقتراب موعد العاشر من نيسان في سوريا، يطل المشهد اللبناني على استحقاقاته. كل شيء في سياسة لبنان اليوم مرتبط بما يحصل في سوريا، وهو طبيعة الأمور في بلد لم يتشكل كدولة مستقلة حتى اللحظة. سواء تجاوزت سوريا موعد العاشر من نيسان ووقف إطلاق النار وبدء آليات حوار فيها أو لا، بات الداخل السوري الثائر متقدماً على قيادة خارجية مصطنعة، وعلى أولئك الذين ضربوا الثورة بعسكرتها وتركوا الجنون طريقاً أوحد للتغيير، وباتت اليوم التنسيقيات هي القيادة الحقيقية التي يمكن أن تقرر مستقبل ثورتها، بعد أن جرت المراهنة على الخارج، وعلى مجلس وطني متصارع مع نفسه، وتائه في الفنادق، وجيش حر لم يتمكن من السيطرة على مجموعاته ولا على تحقيق أي من أهدافه، اللهم إلا إذا كان إيصال الثورة إلى حائط مسدود هو هدفه الأول والأخير.
قد ترغب القيادة السورية، بعد العاشر من نيسان، بالالتفات إلى لبنان قليلاً، والنظر في أمر أولئك الذين خيّبوا آمالها. إلا أن ما ترغب به فعلاً هو محاسبة شخص واحد في لبنان: وليد جنبلاط طبعاً، الوحيد الذي كان قد أزال الغشاوة وعاد لزيارة دمشق صديقاً تائباً، ثم عاد وأزال غشاوة أخرى وانحاز إلى جانب قطر والأميركيين مرة أخرى.
في لبنان، الحساب يأخذ أشكالاً متنوعة، لكن أهمها ما سبق أن اختبرته سوريا عبر صناديق الاقتراع. فلدمشق باع طويل في الإدلاء بصوتها في الانتخابات اللبنانية، وهي كانت تحدد عبر القانون والتقسيمات الانتخابية الفائزين سلفاً، وبقي لها في هذا الميدان تلاميذ نجباء.
ولأن الانتخاب وفق قاعدة النسبية يمكن أن يؤدي إلى نيل جنبلاط عقوبة حقيقية على مستوى التمثيل، وتراجع دوره ربطاً بموقعه في المجلس النيابي وتالياً في مجلس الوزراء، لمصلحة أحد الطرفين الدرزيين الباقيين، أي وئام وهاب وطلال أرسلان، يرفض جنبلاط سلفاً أي نمط أو حديث عن النسبية، بدءاً من أنه لم يفهمها، وصولاً إلى ضرورة توفير الكهرباء للمواطنين قبل نقاش النسبية والانتخابات النيابية، علماً بأن حال الكهرباء لم يتغير منذ الدورات الانتخابية التي كان جنبلاط أحد اللاعبين الرئيسيين فيها في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية.
وما دامت المحاسبة _ سواء المحلية أو السورية _ صعبة المنال، فإن في إمكان شخصيات رئيسية في الدولة اللبنانية أيضاً أن تؤدي أدواراً إضافية داخلياً بانتظار حسم المشهد السوري الذي قد يمتد لفترة طويلة مقبلة. وهذه الشخصيات التي اعتادت عيش القلق ونقله إلى الشارع، تعلم أن الاستدارة بمئة وثمانين درجة ممكنة دائماً في لبنان.
فها هو رئيس البلاد أدى الدور الأكبر منذ مجيئه إلى السلطة، من قطر وحتى اليوم، في تحطيم ميشال عون، سياسياً وخدماتياً ووزارياً، ولو تمكن من فعل أكثر من ذلك لما تأخر.
وليس المطلوب هنا تحطيم ميشال عون الإصلاحي؛ فهذا الأمر يمكن تركه ليتحقق بناءً على طبيعة البلاد ونظام حكمها، بل تحطيم ميشال عون زعيم المسيحيين المتحالف مع المقاومة هو ما تكفّل به رئيس البلاد.
ورئيس الحكومة تكفل بتحجيم حزب الله من جهة، وإمرار المحكمة الدولية وقضم سياساته الداخلية والخارجية. ومن جهة ثانية، تكفل بالنأي بالنفس حين يتعلق الموضوع بضبط الحدود، فتركها مفتوحة أمام الجميع.
والسفيرة الأميركية لم تفوت فرصة سنحت لها لتعبّر عن ارتياح إدارتها للجو العام في لبنان، بكل ما سبق وربما أكثر.
ربما لم يبق إلا محاولة محاسبة سعد الحريري، وهو القائل في يوم 14 شباط 2012: «إنني أتحمل كامل المسؤولية عن المرحلة السابقة بحُلوها ومرها، مسؤولية التنازل في مكان ورفض التنازل في مكان آخر. مسؤولية قبول رئاسة مجلس الوزراء ومسؤولية الخروج من رئاسة مجلس الوزراء، واليوم أنا سعد رفيق الحريري أتحمل أمامكم مسؤولية التضامن مع الشعب السوري وتأييد حقه في إقامة نظام ديموقراطي.
كما أعلن أمامكم استعدادي لتحمل كامل المسؤولية في منع الفتنة بين اللبنانيين عموماً ومنع الفتنة السنية الشيعية في لبنان خصوصاً. هذه مسؤولية تحملتها في السابق وأتحملها أمامكم مجدداً اليوم». لكن إن كانت محاسبة المسؤولين في لبنان مستعصية، فكيف بمن ليسوا كذلك؟