دخل لبنان، مع انفجاري طرابلس، في أتون التفجيرات الإرهابية، ولم يعد الحديث عن نموذج بغداد أو عرقنة لبنان، كلاماً في السياسة فحسب، بل صار واقعاً ملموساً في بلد أعلن الحداد العام مرتين في ثمانية أيام على عشرات الشهداء في الرويس وطرابلس، فضلاً عن مئات الجرحى.
وقد أعاد المشهد الطرابلسي، بعد الرويس، ذكريات الحرب اللبنانية والسيارات المفخخة، مع دخول عنصر الخلايا الإرهابية التي وضعت ثقلها أخيراً في لبنان، ما طرح مخاوف جدية من توسع رقعة التفجيرات الى مناطق جديدة، وخصوصاً بعد التحذير الذي أطلقه قائد الجيش العماد جان قهوجي بكشفه الأربعاء الفائت أن «الجيش يلاحق خلية إرهابية تعمل على تفخيخ سيارات وإرسالها إلى مناطق سكنية، كانت سيارة الرويس إحداها، وهي تحضّر لبث الفتنة المذهبية عبر استهداف مناطق متنوعة الاتجاهات الطائفية والسياسية».
واستبعدت مصادر أمنية أن يكون هدف الانفجارين استهداف أي شخصية سياسية، مؤكدة أن الهدف الأساسي هو زرع البلبلة وتعميم حالة الفلتان الأمني بين المناطق لضرب استقرار لبنان، مع العلم بأن الانفجار وقع بالقرب من منزل المدير العام السابق اللواء أشرف ريفي، الذي أصيب بجروح طفيفة في يده. وقد حذر ريفي من أن «أي مغامرة لمشروع إقليمي أو انتحاري ستطال الجميع ويجب حماية هذا الوطن»، معتبراً أن «كل فعل له رد فعل، ومن يقوم بالجهاد يجب أن يتوقع جهاداً مقابلاً».
واستبعدت مصادر أمنية أن يكون العمل ناجماً عن عملية انتحارية، لكنها أشارت الى أن التحقيقات تحتاج الى ما بين 24 و72 ساعة للتحقق من ذلك. وقد فرض الجيش تدابير مشددة تخوفاً من استغلال الانفجارين لإعادة طرابلس الى أجواء الشحن السياسي والطائفي.
وفي هذا الإطار، علمت «الأخبار» أن قائد الجيش أكد خلال اتصالات جرت بينه وبين رئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي، والرئيسين سعد الحريري وفؤاد السنيورة والنائبة بهية الحريري وقيادات طرابلسية، رفع الجيش مستوى الإجراءات التي اتخذها لمنع الفتنة في طرابلس والعمل على ضبط الوضع فيها.
وفي وقت دعا فيه الرئيس سعد الحريري الى التعامل «بالحكمة ومواجهة الجريمة بما تقتضيه من تضامن وتعاون، وتسهيل المهمات المولجة للسلطات الأمنية والقضائية للقيام بمسؤولياتها، وعدم تقديم أي ذريعة لكل من يريد شراً بطرابلس وأهلها»، صدرت أصوات في المقابل تتهم حزب الله مباشرة بالعملية، كما فعل النائبان مروان حمادة وخالد ضاهر. فيما أعرب الحزب في بيان «عن أقصى درجات التضامن والوحدة مع إخواننا وأهلنا في مدينة طرابلس الحبيبة، في هذه اللحظات المأسوية»، وناشد «العقلاء أن يغلّبوا لغة الوعي والعقل، وألا ينساقوا وراء الشائعات والاتهامات التي تريد خراب البلد وأهله».
وفيما كانت عائلات الضحايا تفتش عن أشلاء أبنائها، فتح السياسيون معركة الحكومة مجدداً، وتناوب فريقا 14 آذار و8 آذار على الحديث عن ضرورة تشكيل حكومة حيادية، بحسب ما طالب رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، وحكومة أقوياء كما قال النائب نوار الساحلي. في حين حوّل الرئيس السنيورة المناسبة لدعوة حزب الله الى الانسحاب من سوريا، كما فعل النائب بطرس حرب وعدد من قيادات 14 آذار.
وفيما ربطت قيادات سياسية بين تفجيري طرابلس والرويس، معتبرة أن اليد واحدة على ما قال رئيس المجلس النيابي نبيه بري، رأى رئيس الجمهورية ميشال سليمان، الذي قطع إجازته في نيس وعاد إلى بيروت، أن «المجزرة تندرج في إطار مسلسل تفجيري فتنوي يستهدف الوطن ككل». ويلتقي سليمان اليوم رؤساء الأجهزة الأمنية للبحث في الوضع الأمني.
وأصدر الرئيس ميقاتي مذكرة إدارية قضت بإعلان الحداد العام اليوم السبت على أرواح الضحايا. وأكد أن «طرابلس والطرابلسيين سيثبتون مرة جديدة أنهم أقوى من المؤامرة ولن يسمحوا للفتنة بأن تنال من عزيمتهم».
وأكد رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون أن الإجراءات الأمنية المتخذة غير كافية، لافتاً «إلى أن لبنان تحوّل إلى مستودع للذخائر تكفي لتفجير الوطن بأكمله». واعتبر أنه «إذا لم تشكل الحكومة لضبط الأمر بيد من حديد فلا تنفع الإدانة والاستنكار». ورأى وزير الداخلية مروان شربل أن «الخطاب السياسي يسهل دخول الفتنة إلى لبنان من دون أن ندري»، داعياً إلى إعلان «حالة طوارئ سياسية لأن المشكلة سياسية قبل أن تكون أمنية». وأكد النائب وليد جنبلاط أن «المستفيد الأول والأخير من تلك الفوضى في المنطقة هو إسرائيل، قد تكون الأدوات لبنانية أو غير لبنانية، وهذا يبقى تفصيلاً»، سائلاً «هل فقط حزب الله» هو من يتدخل في سوريا؟»، لافتاً إلى أن «هناك محاور إقليمية ودولية تتصارع على سوريا». وقال: «الاستقرار الوطني مهدد في الداخل، ولنترك السلاح جانباً ولتكن الأولوية أمن المواطن».
وصدرت ردود فعل عربية ودولية منددة بالجريمة، واعتبر مجلس الأمن الدولي «أن الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره يشكل أحد أخطر التهديدات للسلم والأمن الدوليين»، وناشد الشعب اللبناني «المحافظة على الوحدة الوطنية ومواجهة المحاولات التي تقوّض استقرار البلاد»، مشدداً «على ضرورة احترام جميع الفرقاء اللبنانيين لسياسة الفصل وعدم التورط في الأزمة السورية، التزاماً بإعلان بعبدا».
دعت السفارة الأميركية الرعايا الأميركيين إلى عدم السفر إلى لبنان بسبب الأوضاع الأمنية. وكذلك فعلت الكويت.