تفجير يستهدف سوقاً شعبياً في الضاحية الجنوبية. في السابق كان بالإمكان القول إن هذا الخبر مجرد فرضية. ما كان أغلب أبناء الضاحية ينتظرون حدوثه وقع اول من أمس، اذ فُجّرت سيارة مفخخة في منطقة الرويس. قبل الانفجار كان سكان الضاحية متيقنين من وقوع مثل هذه الجريمة إن عاجلاً او آجلاً، لكن ما كان مجهولاً بالنسبة اليهم هو المكان المستهدف. هز الانفجار منطقة الرويس. التهمت النيران البشر والمباني. تأخرت سيارات الاسعاف والدفاع المدني في الوصول الى المكان. تحول ابناء المنطقة الى مسعفين لنقل الجرحى. أوصلوهم الى المستشفيات على متن الدراجات النارية المتوافرة. بالطبع لا يمكن للسيارات التحرك. خنق الفضوليون كل شيء. بدل الابتعاد عن مكان الحادث ركض هؤلاء اليه، لكن عناصر حزب الله أبعدوهم، إفساحاً للمجال امام سيارات الاطفاء والاسعاف الوافدة.
اولى سيارات الاطفاء الواصلة لم تتمكن من السيطرة على النيران التي التهمت كل شيء. تأخر وصول سائقي شاحنات الاطفاء الى قطعاتهم، وبقيت بعض السيارات بلا حراك في مكانها. إطفائيات أخرى لم تكن مزودة بالماء، ما أخر وصولها الى مكان التفجير. اجتاحت الفوضى مكان الجريمة ومراكز الاطفاء ومداخل أقسام الطوارئ في المستشفيات. أكثر الجهات تنظيماً كان الصليب الاحمر اللبناني. لبس أفراده خوذاً ودروعا واقية خلال اجلائهم المصابين. الهيئة الصحية الإسلامية كانت حاضرة هي الأخرى، كذلك الدفاع المدني. المشكلة كانت في عدم التنظيم. طلب المسعفون من الناس حمل خراطيم المياه. تناوب هؤلاء على رفعها فوق رؤوسهم، اذ تمزق بعضها بسبب دوسها بالاقدام. بعض سيارات الاطفاء لم تكن صالحة لشيء. صفارات انذارها معطلة، حتى ابواقها كانت متوقفة، ما اضطر ركابها إلى الصراخ لابعاد الناس من امامها.
سيارات الاطفاء التي كانت تخمد النيران فرغت من مياهها، وكان عدد سيارات «التغذية» التي تمدها بالماء قليلا. استدعي باعة المياه في المنطقة للمساعدة. اكتظ المكان بالسيارات. لم تستطع سيارات الاسعاف الوصول فوقفت بالقرب من مجمع سيد الشهداء لنقل الجرحى من هناك. تمر ساعتان سريعاً. اسلاك الكهرباء المتدلية تصيب احد المسعفين. «في ناس علقانة على السطح». يصرخ احدهم وهو يشير بيده الى احد المباني المحترقة. لا يتمكن المسعفون من الوصول اليهم. لا تزال النيران تأكل كل شيء. تبدأ شرفات المنازل بالانهيار. يركض الموجودون الى داخل احد المحال المحطمة. حتى تلك اللحظة، سحب عدد قليل من الشهداء، الجزء الاكبر بقي عالقاً بسبب النيران والانهيارات. تسحب الشمس خيوطها من السماء وتحل مكانها «الاضاءات الكاشفة». السكان ما زالوا عالقين على سطوح أحد الابنية. يتصل المسعفون بإحدى الشركات الخاصة التي تملك رافعات لانزالهم. تتأخر الرافعة في الوصول، وعندما وصلت لم تجد مكاناً لتركن فيه. تضطر بعض سيارات الاطفاء إلى إيقاف عملها لفتح الطريق امام الرافعة. يصعد إليها إطفائي محاولاً الوصول الى الطوابق العليا.
في ساعات الليل الأولى وبعد اخراج الفضوليين من مكان التفجير، استطاعت فرق الانقاذ إطفاء الحريق. اتشحت وجوههم بالسواد. وزعت قوارير الهواء على من دخل الطبقات العليا المشتعلة. كانت أعدادهم قليلة، بينما رائحة الغازات والدخان الابيض عبقت في فضاء المنطقة. تشير الساعة الى الحادية عشرة ليلا. سيطر رجال الاطفاء على النار. افترش بعضهم الركام. شربوا العصائر التي وزعت عليهم. آخرون اكملوا تفتيشهم في الأبنية عن شهداء سقطوا.
اول من امس ربما كان «بروفة» لما ستشهده الضاحية في المقبل من الايام، ومتفجرة بئر العبد كانت لحظة البداية، لكن رغم ذلك المنطقة لم تهيّئ نفسها، إغاثياً، للأسوأ.