لم يكد انفجار الرويس يُدوّي، حتى خرج على موقع اليوتيوب فيديو لـ«مجموعة مجهولة» تُطلق على نفسها تسمية «سرايا عائشة أم المؤمنين للمهام الخارجية»، تتبنّى فيه التفجير الذي استهدف الضاحية الجنوبية. نصف ساعة أو يزيد قليلاً، هي المدة التي احتاجها هؤلاء لتحميل الفيديو الذي بدا للوهلة الأولى من صُنع هواة. لكنّ كثيرين لم يتوقفوا عنده، علماً بأنّه الثاني للمجموعة نفسها، بعدما سبقه تسجيلٌ مماثل للثلاثي المقنّع نفسه كان قد أعقب التفجير الذي استهدف بئر العبد في ٩ تموز الفائت، تولّى نشرهما أولاً شخصٌ يحمل اسم خالد القحطاني. وعند هذه النقطة، تُجمع جهات أمنية وإسلامية على القول بـ«فبركة التسجيل لغايات مشبوهة»، مستبعدة فرضية أن يكون المقنّعون الثلاثة الذين ظهروا في الفيديو هم أنفسهم الذين نفّذوا أياً من التفجيرين، سواء في بئر العبد أو الرويس. ورغم أن المتحدّث باسم «سرايا عائشة» قد ذكر أنها الرسالة المدوّية الثانية لـ«حزب الله»، إلا أنّه لم يُشر مباشرة إلى التفجير، بل اكتفى بالتلميح على عكس ما تذهب إليه المجموعات الإسلامية. وهذه المسألة، إضافة إلى سُرعة تحميل الفيديو اللافتة (أقل من ساعة)، يحسمان أمر أنه كان مُعدّاً سلفاً، لاستحالة تمكن هؤلاء من إنجاز الفيديو (تصويراً ومونتاجاً)، ثم تحميله خلال هذه المدة القصيرة. هذا في الشكل. أما في المضمون، فيتوقف كثيرون عند جملة تساؤلات عن صحة ما أُثير عن هوية المقنّعين الإسلامية الأصولية وجنسياتهم. فقد ظهر اثنان من المسلّحين في التسجيل حُفاةً، يرتدي أحدهم سروال جينز وسُترة كُمّ قصير ضيقين، بعكس عُرف الإسلام الأصولي. وبدا أحدهم يضع خاتمين في يده اليُسرى، فيما السُّنّة النبوية تحثّ على التختّم بخاتمٍ واحد في اليد اليُمنى. فضلاً عن أن الراية التي تعتاد الجماعات الإسلامية المتشددة رفعها تكون سوداء اللون في دلالة على الحرب، لا بيضاء كتلك الظاهرة في التسجيل. أما لناحية نص الرسالة الذي قُرئ بالفُصحى الواضحة، بلهجة غير لبنانية، فقد برز فيه توعد «سرايا عاشة أم المؤمنين»، بحسب الفيديو، الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية وفي أي مكان بأعمال مماثلة، مشيرين إلى أن التفجير هو الرسالة الثانية لهم. إضافة إلى إشارتهم إلى أنهم هم من يُحددون الزمان والمكان. ودعوا أهل لبنان إلى الابتعاد عمّا «سمّوه مستعمرات إيران في لبنان» حرصاً على سلامتهم. كذلك تجدر الإشارة إلى أن عدداً من المشايخ السلفيين تحدثوا عن فبركة الفيديو المنشور من قبل جهات استخبارية للإيقاع بين السُّنّة والشيعة في لبنان. وخاض هؤلاء في المصطلحات المستخدمة واللغة الركيكة والقراءة القرآنية التي لم تراعِ أحكام التجويد. إضافة إلى مضمون الخطاب الذي لم يأتِ مُتقناً وواضحاً وصريحاً ومباشراً كتلك الخطابات التي تتبنّاها المجموعات الجهادية كـ«تنظيم القاعدة» و«جبهة النصرة». كذلك تناقلت مجموعات إسلامية عبر الواتسآب رسالة تفيد بأنّ أحد المقنّعين كان يرتدي خاتمين في يده، وهذا مخالف للسنّة، فضلاً عن أن لمعتها تشي بأنها من الذهب المحرّم شرعاً، ما يدحض أن يكون واضعهما ملتزماً دينياً. وفي السياق نفسه، علّق أحدهم ممازحاً: «للمرة الأولى لم أُصلّ الجمعة في المسجد خوفاً من أن تنفجر عبوة مماثلة في طرابلس يتبنّاها فصيل مشبوه باسم شيعي».
في المحصّلة، «سرايا عائشة»، فصيلٌ مشبوه أطل برأسه مرتين، مستخدماً عُدّة استعراضٍ روتينية. راية الإسلام وسلاح رشّاش وقنّاصتان وقاذفة «آر بي جي» وأقنعة. التشويق نفسه، لكنه تسجيل يفتح الباب على أكثر من احتمال بشأن صلة «أبطال الفيديو» بالمجموعة المنفّذة للتفجير، إن وُجدت من جهة، وحول دورهم في استغلال هذه الأحداث الأمنية لتوظيفها للنفخ في نار التوتر السني ــ الشيعي من جهة أخرى.