منذ اعلان حزب الله انخراطه العلني في المعركة الى جانب الجيش العربي السوري ضد المجموعات التفكيرية، وضعت الاجهزة غير المدنية في الحزب تقديرات حول ردات الفعل سياسيا وطائفيا واعلاميا وامنيا وعسكريا. وكان متوقعا ان تبادر مجموعات المعارضة السورية المسلحة الى اطلاق صواريخ من مناطق الحدود باتجاه مناطق بعلبك الهرمل، وأُخذ بالحسبان انّ من الضروري المسارعة الى اتخاذ اجراءات تصعّب الأمر.
كذلك تحسبت المقاومة ومعها اجهزة رسمية لإمكانية قيام مجموعات مسلحة متطرفة، سورية وغير لبنانية، بعمليات امنية في العمق اللبناني وعدم الاكتفاء بمنطقة البقاع. وأعدت مديرية الاستخبارات في الجيش اللبناني قوائم تحذير ربطاً بما لديها من معلومات جمعتها من مصادرها المباشرة، او بالتعاون مع اجهزة امنية خارجية عن نشاط مجموعات متطرفة على صلة بتنظيم القاعدة. والمشكلة ان الجيش واجه حملة من انصار فريق 14 اذار بقيادة تيار «المستقبل» تحت عنوان انه لا وجود لمثل هذه المجموعات في لبنان. ومع ذلك، فقد واصل الجيش اجراءاته الاحترازية، وتعرض لعدة هجمات مباشرة من جانب هؤلاء، ولم تفلح محاولاته في الوصول الى اماكن يعيشون فيها داخل بلدة عرسال، او في الجرود التابعة لها.
ومع مرور الوقت، بدا واضحا ان هذه المجموعات قررت وضع خطة عمل تستفيد من خلالها من مجموعة عناصر، أبرزها الفوضى الامنية وعدم وجود تنسيق بين الاجهزة الامنية الرسمية، ووجود غطاء سياسي واعلامي لها يصل الى حد تبرير أفعالها، من خلال تحميل حزب الله مسؤولية اي عمليات امنية تحصل في مناطق نفوذه، إضافة الى شن حملة على كل محاولة لدخول منطقة عرسال، او بعض المخيمات الفلسطينية، كذلك الحملة غير المسبوقة التي تلت احداث عبرا شرقي صيدا.
وكانت العملية الاولى في بيروت من خلال قصف الضاحية الجنوبية بصواريخ كاتيوشا، وتكررت العملية لكن من خلال استخدام منطقة في كسروان، بعدما اتخذت اجراءات في مناطق عرمون وبشامون والتلال المشرفة على مطار بيروت والضاحية، لكنّ الاسترخاء الامني سمح لهذه المجموعة بالعودة الى هذه المنطقة، والقيام بحركة مراقبة ورصد ونقل لوجستي بين البقاع وبيروت وصيدا والمخيمات الفلسطينية في اكثر من منطقة، حيث جرى الإعداد لمشاريع ارهابية جديدة.
بعد تفجير بئر العبد في التاسع من تموز الماضي، سارعت مديرية الاستخبارات في الجيش الى تفعيل انشطة المكافحة لهذه المجموعات، وجرى تقاطع يومي للمعلومات مع جهاز امن المقاومة، بينما ظل فرع المعلومات «بليداً» لا يقوم بانشطة جدية، رغم التواصل الذي جرى بينه وبين استخبارات الجيش اللبناني من جهة، وحزب الله ايضا.
وخلال ثلاثة اسابيع كانت المعلومات الاساسية قد توافرت بفعل اخطاء ارتكبها الجناة، وبفعل اعمال متابعة وتحقيقات حرفية من نوع خاص. وجرى التوصّل الى نتائج اولية اتاحت التعرف إلى عدد من الاشخاص، حيث نُفّذت عمليات توقيف لبعضهم، ما ساعد على كشف بقية التفاصيل، بينما توارى الاخرون عن الانظار، علما ان كل عمليات الرصد تؤكد وجودهم في بلدة عرسال او في محيطها. وهو امر لا ينفيه ضباط من فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي ايضا.
وبعد تفجير الرويس، وجدت قيادة الجيش ان المطلوب المباردة الى خطوات عملانية وعلنية، لوضع الجميع امام مسؤولياتهم، فكان القرار الصعب الذي صدر أمس، وقضى بان يصدر وزير الدفاع فايز غصن بياناً يضمّنه المعلومات المفصلة الموثقة والاكيدة لدى مديرية الاستخبارات، وخصوصا أن الجيش يعاني بقوة حملة الانتقادات التي يتعرض لها منذ وقت بعيد من قبل فريق 14 اذار، وهي الحملة التي تكثفت بعد احداث عبرا، وبعد التوصّل الى معلومات عن نية فريق 14 اذار، وتيار «المستقبل» على وجه الخصوص، منع اي عملية دهم او متابعة امنية في بلدتي مجدل عنجر وعرسال.
وبحسب مصادر التحقيق، فقد امكن التوصل الى معلومات منها:
ـــ المجموعة التي تولت اطلاق الصواريخ على الضاحية الجنوبية تتكون من فلسطينيين، أبرزهم يُدعى أحمد طه، وهو متوارٍ حاليا في بلدة عرسال. ويتولى إدارة طه وتحريكه احد المسؤولين في تنظيم اسلامي فلسطيني معروف. وجرى شراء الصواريخ من احد المخيمات الفلسطينية في بيروت.
ـــ المجموعة التي اعدت ونفذت التفجيرات على طريق شتورا ـــ المصنع، وشتورا ــ زحلة، اتخذت من بلدة مجدل عنجر قاعدة لها، وهي كانت تتولى مراقبة الطرقات المؤدية الى سوريا مباشرة، او الى بعلبك، واعدت قائمة بسيارات تعتقد انها مخصصة لنقل كوادر او مقاتلين من حزب الله الى سوريا. وقد صارت لائحة الأسماء والتفاصيل الخاصة بها لدى مديرية الاستخبارات في الجيش اللبناني. وحاولت المديرية اعتقال عدد منهم مرات عديدة، لكنها ووجهت بمقاومة تدل على «إقامة محصنة» لهؤلاء في بلدة مجدل عنجر.
ـــ المجموعة التي كُلفت إعداد السيارات المفخخة وتفجيرها في الضاحية الجنوبية، كذلك العبوات على طريق الهرمل، اتخذت من عرسال قاعدة لها. وقد جمعت مديرية استخبارات الجيش اللبناني المعلومات المفصلة عن هؤلاء، وأورد الوزير غصن بعض الاسماء في بيانه امس، علما ان ح. الحجيري، هو الاسم الاكثر شهرة بين هؤلاء، بعدما تولى بنفسه وضع متفجرة بئر العبد الاولى في 9 تموز الماضي.
ـــ اتُّخذ القرار بتفجيرات الضاحية قبل اكثر من شهر ونصف شهر، وكُلّفت مجموعة بينها ح. الحجيري التوجه الى بيروت يوم 8 تموز الماضي، بسيارة ضمته واخرين، مع حقائب تحوي كمية كبيرة من المتفجرات والصواعق الخاصة بها. وأُبلغت هذه المجموعة ضرورة الحصول على سيارة من المنطقة القريبة من الضاحية وسرقتها وتفخيخها، وهو الامر الذي جرى نهاية نهار 8 تموز على شاطئ خلدة، حيث ترجل مسلحان من سيارتهما نحو سيارة كيا كانت تقف الى جانب الطريق، وبداخلها فتاة شيعية ومعها شاب سني، وأُجبرا على الخروج من السيارة التي عمد المسلحون الى نقل حقائب المتفجرات اليها، قبل الانطلاق بها نحو منطقة قريبة من الضاحية، بينما توجهت الفتاة صاحبة السيارة الى مخفر قريب لقوى الامن الداخلي، متقدمة بشكوى عن سرقة السيارة، واعطت مواصفات السارقين والسيارة التي كانت بحوزتهم، لكنّ قرار التنفيذ كان متخذا مسبقا، حيث توجهت سيارة الكيا بعد تفخيخها، ويقودها ح. الحجيري الى الضاحية عبر طريق مطار بيروت، ووصلت الى المرأب في بئر العبد، حيث تركت ثُم فُجّرت لاحقاً عن بعد.
ـــ كذلك تولّت مجموعة من الفرقة إياها سرقة سيارة بي ام اف وتفخيخها بكمية كبيرة من المتفجرات، وقادها احد اعضاء المجموعة الى منطقة الرويس أول من أمس، وركنها قرب صالون للحلاقة هناك، لتنفجر بعد نحو 15 دقيقة من مغادرته المكان. بحسب ما اظهرت التحقيقات الجارية الان.
ـــ وتشير معطيات التحقيقات الاولية الى ان المجموعة نفسها تقف خلف عمليتي التفجير في الضاحية الجنوبية، رغم حصول محاولة للتضليل من خلال بعض الاسماء.
كذلك تشير التحقيقات، الى ان ادارة الملف بكاملة عهد بها الى اشخاص من بلدة عرسال، ليسوا منتمين سابقا الى اي تنظيم اسلامي، لكن تولى ادارة عملهم وتمويلهم والتخطيط لهم واختيار الاهداف ثلاثة اشخاص، بينهم سوري وفلسطيني وسعودي. وهؤلاء يتبعون بواسطة جهة اخرى لجهاز امني تابع لدولة خليجية كبرى.