«هل تؤيّد تصنيف حزب الله منظمة إرهابية؟». سؤال قد يلفّ ويدور ولا يلقى جواباً عند أهل الثقافة والإعلام والفنّ؛ فقلة هم الذين يدلون بكل صراحة بآرائهم ومواقفهم تجاه ما يحصل اليوم على الساحة الإقليمية واللبنانية.«الأخبار» استصرحت عدداً كبيراً من المثقفين والإعلاميين. كثيرون رفضوا الإدلاء بآرائهم وفضّلوا سياسة النأي بالنفس على «التورط» في الإجابة، والمجاهرة بمواقفهم كما هي، أو حتى مولّفة. ومن خلال هذه الجولة الاستفتائية ــ إن صحّ التعبير ــ يمكن تلمّس، بكل سهولة، سطوة هذه الضغوط عليهم، التي لاحقتهم حتى الى منصاتهم الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث الرقابة الذاتية سيدة الموقف!
بين أسماء ثقافية لامعة كثيرة، وحده الشاعر محمد علي شمس الدين أدلى برأيه. رأى أن حزب الله هو حزب مقاومة في لبنان ضد إسرائيل، والأولوية باتت اليوم «الصراع مع إسرائيل» لا باقي «الصراعات الجانبية». الشاعر اللبناني ابن الجنوب، لم يتردد لحظة في تكرار أنّ حزب الله هو الذي «أخرج إسرائيل من أرضي وبلدي»، وأنه «كشاعر»، أسهم أيضاً في مقاومة الاحتلال حتى قبل نشوء الحزب وما زال.
المسرحي جلال
خوري وضع القرار ضمن الحرب التي تشنّها الصهيونية والرأسمالية على الحزب

بلهجة حازمة ومقتضبة، يجزم المؤلف والمخرج المسرحي المعروف جلال خوري بأن قرار إدراج الحزب ضمن المنظمات الإرهابية محض «افتراء»، ولا «يعبّر عن الواقع، فالناس ليسوا حمقى». ويضع خوري هذا القرار ضمن الحرب التي تشنّها الصهيونية والرأسمالية على الحزب.
بدوره، يستفيض الإعلامي والشاعر زاهي وهبي في الحديث عن المقاومة. يرى في حديث مع «الأخبار» أنّ الحزب اليوم هو حركة «مقاومة لبنانية عربية إسلامية بذلت الغالي والرخيص دفاعاً عن لبنان». ونوّه بالتمثيل الشعبي و«التأييد الواسع» الذي يحظى به الحزب على المستويين اللبناني والعربي، مؤكداً عدم جواز تصنيفه تحت خانة الإرهاب، لأن من شأن ذلك ــ كما قال ــ أن يخدم العدو الصهيوني، ويبرر «للعدوانية الإسرائيلية على لبنان». وتوقف وهبي عند حفلات الابتهاج التي تحصل اليوم في الكيان الصهيوني احتفاءً بالقرار الخليجي.
وبخلاف زوجها، اقتضبت الإعلامية رابعة الزيات في كلامها عن هذه القضية، معتبرةً أنّ الحزب هو «حزب مقاوم حرّر الجنوب اللبناني، وأرسى توازن الرعب مع إسرائيل». لذا لا يمكن اعتباره منظمة إرهابية. وأشارت الى ما يحدث اليوم على الساحة الإعلامية من خوف وتردد إزاء الإدلاء بأي موقف أو تصريح في هذا الموضوع، معتبرةً أنّ من شأن ذلك أن «يفقد صاحبه عمله» حتى.
بولا يعقوبيان، كانت لها مقاربة مغايرة. دخلت من باب أزمة النفايات، لمحاولة الإجابة عن سؤالنا. أكدت أنّ الإرهاب اليوم هو «إرهاب الزبالة» الذي يتهدّد صحة اللبنانيين. الإعلامية اللبنانية رأت أن حزب الله هو الأقوى اليوم، ويملك كل «أدوات الترهيب والترغيب»، وقادر على فتح «حرب من هنا الى سوريا واليمن»، فلا أحد يقنعها بأنه عاجز عن حل أزمة النفايات، على حدّ تعبيرها. وأشارت الى أن الحزب شريك كما البقية في الطبقة السياسية الحاكمة، لكن «علينا أن نلوم الأقوى» على حدّ تعبيرها.
وإذا كان معظم أهل الثقافة والإبداع والإعلام قرروا النأي بأنفسهم عن قضية حارقة كقضية تصنيف حزب الله منظمة إرهابية، فما بالك بأهل المغنى؟ ما يدور في الجلسات المُغلقة بين الفنانين والصحافيين لا يمكن أن يخرج إلى العلن أبداً، خاصة عندما يتحدّث النجوم في السياسة. قد يحدّثك فنان عن مشاكله مع زميله في الطرف الآخر من السياسة مستخدماً بعض العبارات القاسية بحقه، لكنه يشترط عليك عدم إخبار أحد بذلك، ويقول لك بالـ«أمليّي هيدا الحديث بيناتنا». كل هذا الخوف لا يعتبر شيئاً أمام الرعب الذي يعتري النجوم عندما نسألهم: هل تؤيّد تصنيف حزب الله كحزب «إرهابي»؟ هذا السؤال كفيل بإصابة النجم بالخرس، وربما يتمنّى حينها أن ينقطع الاتصال تفادياً لأيّ موقف محرج، لكن تشاء الظروف أن يبقى الاتصال قائماً. ضمن هذا السياق يندّد أحد المغنّين بالقرار الخليجي، لكنه يطلب منّا عدم ذكر اسمه لأنه ينتظر الفيزا من السفارة الاميركية في بيروت كي يقوم بجولة فنية في أميركا الشهر المقبل. يقول بصوت منخفض «بس حطّ الفيزا بجيبتي بقدر صرّح، هلق بعتذر، احكيني بعد أسبوع. لو هناك أمل 1% في أن أحصل على الفيزا، فإنّ هذا الأمل يتبدّد إن أدليت برأيي في هذا الموضوع». رغم إصرار الفنان على عدم زجّ اسمه حالياً في الإدلاء بموقفه حول حزب الله، تفتح ميريام كلينك النار على كل من يتّهم الحزب بالإرهاب. تقول عارضة الأزياء السابقة في حديث إلى «الأخبار»: «أكيد لا أعتبر الحزب إرهابياً، بل أنا أدافع عنه دائماً ولن أتوقف عن ذلك. هذا القرار صادر عن عدد قليل من الدول، وهو اتُّخذ لكسر شوكة الحزب. «داعش» يقف على حدود بلدنا، والجيش لا يستطيع أن يقاتل وحده. لذلك، فإن الحزب هو الذي يدافع عنا أيضاً. أنا مقاومة إلى أقصى الحدود». رأي كلينك الواضح، يُقابله موقف الملحن زياد بطرس المقتضب، لكن الحازم والمستخف بالقرار الخليجي. يجيبنا بصوت هادئ وواثق «لا داعي للحديث في هذا الموضوع، أنا إرهابي وراض بذلك». أما بالنسبة إلى الفنان الياس الرحباني، فيبدو أنّ حاسته السادسة قد سبقته. يجيب قبل أن نسأله عن الموضوع «لا علاقة لي بالسياسة». ويتابع: «أعرف بعض الأمور في السياسة، لكن لا يمكنني أن أصرّح بها. لا أريد الحديث في القضايا التي تفرّق العالم. أنا أحبّ كل اللبنانيين من دون استثناء».
تنتهي جولتنا عند الفنان خالد الهبر الذي طبع الالتزام والصدق مشواره الشخصي والفني. يقول: «من قام بعملية تصنيف الحزب كإرهابي هم أناس مستهترون، ولا يدرون ماذا يفعلون! من يراقب تصرفاتهم من الحرب على اليمن إلى الهجوم على سوريا، يتيقّن من أنهم يخرجون من مأزق ليدخلوا في آخر. لقد أضاعوا البوصلة والاتجاهات. إنها حفلة جنون، لكنها ستنتهي يوماً ما». وعن رأيه في بعض الفنانين الذين يخشون إعلان مواقفهم الواضحة، يجيب «يرتبط بعض الفنانين بمصالح مع الخارج، فهم يعملون إمّا مستشارين لهم أو في مؤسّساتهم».
(الأخبار)