وقّع وزير الدفاع سمير مقبل، البارحة، المذكرة الادارية بتعيين مدير جديد للمخابرات خلفاً للعميد الركن ادمون فاضل، هو مدير مكتب قائد الجيش العميد الركن كميل ضاهر، على ان يباشر مهماته في 20 آذار. وضعت المذكرة الادارية حداً لسجال قانوني بدأ قبل ستة اشهر حيال احتمال استمرار استدعاء فاضل من الاحتياط ستة اشهر تلو اخرى، بعد مرة اولى في ايلول الماضي تنتهي هذا الشهر، بغية بقائه في منصبه بسبب تعذّر الاتفاق على خلف له. تشعّب الجدل في اروقة اليرزة وتجاذبته مبررات سياسية وامنية وادارية حتى، بين صواب هذا الاجراء وتعيين مدير جديد قبل تعيين قائد جديد للجيش، قبل انتخاب رئيس للجمهورية.
الا ان الخلاف بين مقبل والعماد جان قهوجي على مصير المديرية ــــ وظل في معظم الاحيان مستوراً ــــ اوجب تغليب طابع العجلة. تمسك قهوجي بتعيين مدير مكتبه، بينما تمسك مقبل برفض هذا الترشيح وقدّم ذرائع متفاوتة من دون ان يطرح مرشحاً بديلاً ما خلا اعتقاده بأن إبقاء فاضل في منصبه «اوفر الشرور»، خلافاً لما رافق السجال نفسه للمرة الاولى قبيل ايلول عندما سمّى مقبل، بتزكية من الرئيس ميشال سليمان، قائد الحرس الجمهوري العميد وديع غفري. هذه المرة لم يشأ العودة الى اسم يستحيل امراره.
منذ الاثنين 22 شباط تسارعت وتيرة العمل على بت واقع المديرية. المستعجل الرئيسي كان قائد الجيش، مصراً على تعيين ضاهر، وتحدّث عما يشبه اوسع تأييد له وفق استمزاج آراء باشره وانتهت خلاصته الى:
ــــ عدم ممانعة المسؤولين الامنيين في السفارة الاميركية في بيروت تعيين مدير جديد، وكانوا ألحوا مراراً، منذ احالة فاضل على التقاعد في نيسان 2013، على التمديد له لاطمئنانهم الى مقاربته ملفات الارهاب وتبادل المعلومات وتواصلهم واياه، ولوحوا بعدم التعامل مع سواه.
ــــ موافقة معظم الافرقاء المحليين على اسم ضاهر، بدءاً بالرئيس نبيه بري، مروراً بحزب الله، وصولاً الى الرئيس سعد الحريري، ما خلا الرئيس ميشال عون.
دُعي مقبل الى اجتماع المجلس العسكري لإحراجه بتوقيع ما لا يريده

ــــ كان تقويم القيادة ان مجرد عدم التمديد مجدداً لفاضل عبر استدعائه من الاحتياط للمرة الثانية على التوالي كفيل بازالة اعتراض عون الذي كان يصر على تعيينات عسكرية جديدة، ما يقلص غلواء رفضه، في معزل عن موافقته على الاسم المقترح. على ان اختبار موقفه من تعيين ضاهر هو الاجتماع الدوري للمجلس العسكري، الثلثاء، وموقفي عضويه القريبين من عون اللواءين سمير الحاج وجورج شريم.
اجتمع المجلس العسكري، الثلثاء الفائت، بنصاب كامل وأقر جدول اعماله المسهب من بينه بند تعيين ضاهر بلا اي تحفظ، ما عكس الموافقة الضمنية لعون على الاسم، خصوصاً ان تغيّب الحاج وشريم من شأنه التأثير في اقرار بنود جدول اعمال متضمناً شؤوناً عسكرية مهمة تبعاً للنصاب الملزم للانعقاد، وهو حضور خمسة من الاعضاء الستة على الاقل.
بيد ان ابرز ما رافق انعقاد المجلس العسكري «توريط» وزير الدفاع في حضور جلسته للمرة الاولى سعياً الى احراجه ــــ هو المتحفظ عن تعيين ضاهر ــــ في ترؤس اجتماع لا يوقع قراراته. بعد خروجه من الجلسة فاخر مقبل بأنه الوزير الاول الذي يحضر اجتماعات المجلس العسكري منذ انشائه عام 1979. سبق له ان فاخر ــــ على جاري ما اعتاده ــــ على اثر الشغور الرئاسي بأنه بات المسؤول المسيحي الاول في الحكم في غياب رئيس الجمهورية. غداة اجتماع المجلس العسكري، امس الاربعاء، وقع وزير الدفاع مذكرة التعيين قبل جولته على رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة.
منذ كانون الثاني الماضي افصح قهوجي عن خياره ضاهر بعدما حيل دونه لستة اشهر خلت، ولوّح حينذاك ــــ بعدما تأكد من تحفظ وزير الدفاع ــــ باللجوء الى اصدار مذكرة فصل تقضي بنقل الضباط الذين يتقدمون ضاهر اقدمية الى خارج مديرية المخابرات، ومن ثم فصل مدير مكتبه اليها وتكليفه تسيير شؤونها. وهو بذلك يفرض وجوده على رأسه المديرية مسيّراً اعمالها، في منزلة رئيسها، من غير تعيين. وهو ما سبق ان فعله قهوجي في اكثر من ادارة في مؤسسات الجيش، من بينها تكليفه احد ضباط المديرية العامة للادارة، الاقدم رتبة، العميد محسن فنيش تسيير اعمالها منذ عام 2013 على اثر احالة مديرها الاصيل اللواء عبدالرحمن شحيتلي على التقاعد وعدم تعيين خلف له. سرعان ما ثبّت مجلس الوزراء في 28 كانون الثاني الفائت فنيش مديراً عاماً اصيلاً للادارة بعد ترفيعه الى لواء.
مع ذلك فإن دون تكليف ضابط كبير تسيير اعمال مديرية المخابرات محاذير حساسة ودقيقة، كون مهمته ليس ادارية ترتبط بدورة توقيع معاملات في وسع الوكيل الحلول محل الاصيل، بل تلتصق بدور مزدوج امني ــــ سياسي لمدير المخابرات بين يديه ملفات ارهاب وتقارير سرية وعلاقات متشعبة مع اجهزة استخبارات عربية واجنبية لا تتقبّل ــــ ولا توافق حتماً ــــ على التعاون مع مسيّر اعمال الاستخبارات العسكرية اللبنانية، لا مديرها الاصيل.
لم يحل اصرار قهوجي على تعيين ضاهر بمذكرة ادارية تثبّته مديراً اصيلاً دون تفكيره في خيار بديل يدخل في صلب صلاحياته، هو مذكرة الفصل. اذ ذاك تقدّمت حظوظ مرشحه الذي يحمل الرقم 16 بين المتعاقبين على رئاسة الاستخبارات العسكرية منذ اولهم المؤسس والاب الاول للجهاز اميل بستاني عام 1945، ثم من بعده تباعاً: الياس حسواني، موسى كنعان، انطون سعد، غابي لحود، عباس حمدان (وكالة)، جول البستاني، جوني عبده، سيمون قسيس، عامر شهاب، خليل جلبوط، ميشال رحباني، ريمون عازار، جورج خوري، ادمون فاضل.