منتصف ليل أول من أمس، انسحب الجيش من شوارع طرابلس. تُرك الأمر للمتقاتلين بين باب التبانة وجبل محسن. كان يمكن أن يكون الخبر، صبيحة اليوم التالي، عن مجازر رهيبة. لم يكن هناك ما يمنع ميدانياً. من ناحية الجيش والدولة.
«وحدها قذائف الـB10 الثقيلة هي التي منعت حمّام الدم»، كما قال مسؤول ميداني في الجبل. وبحسب روايته، «قررت المجموعات المسلحة في التبانة وجوارها، بعد انسحاب الجيش، اقتحام الجبل. حدث ذلك على أكثر من محور، لكنه تركّز على محوري، مشروع الحريري والبقار. كل مجموعة من المهاجمين كانت عبارة عن 70 شخصاً». يكفي أن يصل 10 من هؤلاء إلى المناطق الآمنة، نسبياً طبعاً، ليصبحوا وجهاً لوجه مع المدنيين من رجال ونساء وأطفال. يضيف المسؤول: «هذا لم ولن يحصل مهما حاولوا». لكن لماذا؟ يوضح: «خلال المواجهات السابقة كنا نتصدى لهم بقواذف الـB10 من الأسفل، ولذلك سلكوا هذه المرة طرقاً تجعلنا لا نراهم، فكانت المفاجأة لهم أننا كنا نتوقع ذلك. ولهذا نصبنا المدافع على الأسطح عالياً، وانهلنا عليهم بالضرب، فما كان منهم إلا أن تراجعوا بعدما قتل بعضهم وجرح آخرون». في تلك الأثناء، كانت أصوات القذائف تُسمع في كل طرابلس، وأحياناً أبعد، كما استخدمت القنابل المضيئة للمرّة الأولى. قذائف الهاون لم تهدأ، من الطرفين، واقتصرت على عياري 60 ملم و 82 ملم. القذيفة من النوع الثاني، بحسب خبراء عسكريين، يمكن أن تدّمر جدار منزل إذا أصابته. القصف كان عشوائياً. في وقت لاحق تحدّث البعض عن نصب مدافع هاون من عيار 120 ملم. الخبر لدى العارفين بهذا العيار ليس عابراً. الخبراء يقولون ان هذه القذيفة، في حال سقطت على منزل، فإنها كفيلة بتدميره وقتل من فيه. لكن هذا العيار لم يُستخدم، ولا أحد يعلم إذا كان سيستخدم لاحقاً، في ظل معلومات تتحدث عن توفّر أعداد منه بين المتقاتلين. الخطير فيه هذا السلاح، فضلاً عما يلحقه من ضرر، هو مداه الذي يطال أبعد من طرابلس نفسها. المسؤولون في الحزب العربي الديمقراطي في جبل محسن، عرضوا صوراً لصاروخ من عيار 107 ملم لم ينفجر، ما يعني أن صواريخ أخرى من النوع نفسه قد انفجرت.
خلال احتدام المواجهات، وانكفاء الجيش إلى الثكن، علمت «الأخبار» من مصادر معنية بالقتال، أنه «في حال تمادي التكفيريين من التبانة وسواها بمهاجمة الجبل، وفي حال تخطوا الخط الأحمر، أو في حال اعتدائهم على بعض القرى العلوية في قرى عكار مثلاً، فعندها لن يقتصر الأمر على الرد التقليدي، بل ربما نتحول إلى الهجوم». وأضاف المصدر نفسه: «ليل أمس كانت هناك حشود من الجيش السوري على الحدود الشمالية مع لبنان، تراقب عن كثب، وبالتالي لا يتصور البعض أن هذا الجيش لن يتدخل في حال فلتت الأمور من يد الجميع».
تأتي هذه الإشارات ضمن الحديث عن «محور واحد». فكل قوى «الممانعة» اليوم تتعامل مع ما يجري في سوريا كمحور تجمعه قضية واحدة، وكذلك الأمر تجاه ما يحصل في لبنان، وبالتالي تبقى كل الاحتمالات مفتوحة. إلى ذلك، تلقى رئيس الحزب العربي الديمقراطي رفعت عيد اتصالات من قيادة الجيش، في ساعة متأخرة من ليل أمس، تدعوه إلى ضبط النفس وعدم الانجرار، كذلك وصلت رسائل من جانب الحلفاء في لبنان، فيما كان هو يطلب أن يتوقف الاعتداء على جبل محسن من جانب الطرف الآخر.
من جهة أخرى، بدت المجموعات المسلحة في باب التبانة خارج أي قيادة ظاهرة، إذ كانت الشبكات الإخبارية التابعة لهم على مواقع التواصل الاجتماعي تسخر من «القيادات السنية الطرابلسية». وفي حين كان يصر المسؤولون في جبل محسن على مدح الجيش اللبناني، رغم انسحابه، كان الطرف الثاني يتهجم على الجيش ويصفه أحيانا بـ«جيش العدو». تكبّل الجيش تماماً. وبقي السؤال يدور عن المرجعية التي تحرك المقاتلين في باب التبانة هذه المرّة، وما هو المدى الذي يريدون الوصول إليه، في ظل تعنت بعض مسؤولي المحاور منهم، وإصرارهم على إبقاء المعركة مفتوحة، وربطها بالمعارك التي تحصل في القصير في سوريا.
في المقابل، المقاتلون في جبل محسن لا يظهرون خشية من تصعيد الطرف الآخر، وعند سؤالهم عن إمكانية تطور سير المعارك، يقولون: «دائماً يتحدثون عن نيتهم اقتحام جبل محسن. فليفعلوا إن كانوا قادرين. لقد استقدموا مقاتلين من مناطق مختلفة وحاولوا بكل طاقاتهم والنتيجة فشلهم، وقد أصبح لديهم قتلى اعلنوا عنهم، فيما تكتموا عن قتلى آخرين من السوريين الذين يشاركون في القتال». أخيراً، يقول أحد القادة العسكريين في الجبل: «من قال اننا لن نبادر الى الاقتحام إن هم أصروا على التمادي؟ هم يعلمون إلى أين وصلنا ليل أمس، وماذا كان بإمكاننا أن نفعل. لقد مللنا التهديد والوعيد». هكذا، يمكن في أي لحظة أن تصل الأخبار عن قتلى، وربما، لا سمح الله، مجازر. إن كان البعض يظن أن الأمر سيقتصر على طرف واحد، فربما عليه أن يعيد حساباته، في ظل تأكيد من في الجبل أنهم «حاضرون للذهاب بعيداً جداً، خصوصاً أننا لم نستعمل بعد كل ما في حوزتنا، ولكن يكفي أن نقول اننا قادرون على جعل طرابلس كلها تبكي، بل وأبعد من طرابلس».