أخيراً، جرت انتخابات المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى في موعدها المحدد، أمس. كان للطائفة السنية مجلس مُمَدّد له، يضم مناصرين لتيار المستقبل، ولا يعترف به مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني. اليوم، صار لها مجلسان. واحد لا يعترف المفتي به، والآخر لا يعترف به تيار المستقبل وحلفاؤه الذين أرادوا إسقاط قباني. سابقة لم تحدث في تاريخ دار الفتوى، وتنذر بتصاعد المعركة بين تيار المستقبل والمفتي. هذه المرة، لم تلغ الدعوة الى الانتخابات في آخر لحظة كما جرى سابقاً. ورغم قرار مجلس الشورى الدولة القاضي بتعليقها، وانسحاب بعض المرشحين لعضوية المجلس التزاماً منهم بقرار الشورى، إلا أن قباني لم يلغ دعوته وبقيت الانتخابات في موعدها. بالنسبة إلى أبناء دار الفتوى، فإن «رأي الشورى لا يلزم الدار أو المفتي، وهو استشاري فقط». والمفتي قباني رأى أن «مجلس الشورى لم يصدر قراراً بعد، ومجلس الشورى أعطى رأياً بتعليق الانتخاب، لكنه لم يصدر قراراً بعد، إطلاقاً، لا بالتمديد لهم ولا في أي شيء آخر، مجلس الشورى لا ينطبق علينا، ونحن يدنا بيد القانون، ولكن القانون ينبع من عندنا من هنا».

من جهتهم، يقول معارضو المفتي إن إجراء الانتخابات سيزيد من الشرخ داخل الطائفة السنية. وتتوقع مصادر في الجماعة الإسلامية أن تشهد الأيام المقبلة استقالات وانسحابات من قبل بعض من فازوا بانتخابات المجلس الشرعي. ويؤكد هؤلاء أن المجلس الممدد له «هو الشرعي والقانوني لأنه مدّد له حسب الأصول ونشر التمديد في الجريدة الرسمية».
احتمالات الطعن بقانونية الانتخابات كبيرة، وخصوصاً من أعضاء المجلس السابق المناصرين لتيار المستقبل الذين اعتبروا «الانتخابات واهية»، بحسب بيان صدر عنهم بعد اجتماع عقدوه في مكتب بسام برغوت في الصنائع. بعيداً عن التجاذبات السياسية التي سبقت الانتخابات والتي ستتبعها، جرى استحقاق أمس بهدوء، باركه حضور رئيس الحكومة الأسبق سليم الحص الذي كان من أشد المؤيدين لإجراء الانتخابات في وقتها. فاز أغلب المرشحين بالتزكية، لا لوائح منافسة، لا معركة انتخابية ولا نصاب في بعض المناطق. أراد القيمون على دار الفتوى أن يكون هناك توافق بين المرشحين. لذلك كان انسحاب الموالين لتيار المستقبل أو المقربين منه سياسياً، مثل الجماعة الإسلامية، مسهلاً لحسم فوز المرشحين المستقلين. الاتصالات التي سبقت الانتخابات أظهرت أن عدد المنسحبين يسمح بفوز المرشحين بالتزكية. في بعض المناطق، كان هناك احتمال ضئيل لحصول معركة انتخابية، إلا أن تواصل المرشحين في ما بينهم، وانسحاب أحدهم لمصلحة الآخر ألغى المعركة. إذاً، وبما أن الأمور كانت «ماشية والرب راعيها»، وبما أن صناديق الاقتراع بقيت خالية، أعلن مفتي الجمهورية فوز المرشحين للانتخابات في بيروت وجبل لبنان وصيدا وعكار وحاصبيا ومرجعيون بالتزكية.
الهدوء الذي شهدته بيروت لم ينسحب على محافظات البقاع وطرابلس. ففي البقاع، فشلت انتخابات المجلس بسبب عدم اكتمال نصاب الهيئة الناخبة، إذ تنوعت وجهات النظر حول الأسباب والمسببات. فقد حضر الى مقر دار الفتوى في بر الياس 34 ناخباً من أصل 93 يحق لهم المشاركة في العملية الانتخابية. وقال المرشح لعضوية المجلس، مدير الإغاثة في دار الفتوى في قضاء راشيا، الشيخ أيمن شرقية، إن أسباب عدم اكتمال النصاب «تنبع من حرص المتغيبين على عدم إحداث شرخ في الطائفة»، قائلاً إن التغيب «لم يكن لأسباب سياسية». وكان قد ترشح لعضوية المجلس في البقاع 6 أشخاص، انسحب 3 منهم نتيجة المشاورات والتفاهمات التي حصلت بين المرشحين، فيما لم تتكلل المساعي بسحب عضو رابع لإيصال العضوين المطلوبين بالتزكية. وقالت مصادر في «فتوى البقاع» إن تفاهماً كان قد حصل ويقضي بوصول أحد المشايخ (أيمن شرقية)، على أن يتفق العضوان الآخران (المرشحان المدنيان صلاح الدسوقي وسعد حسنة) على من ينسحب منهما لحصول التزكية، وتحقيق رغبة مفتي الجمهورية. وتضيف المصادر إن «قطبة مخفية» أفشلت هذا التفاهم في آخر لحظة، ونجحت المقاطعة في تأجيل الانتخابات الى موعد آخر.
أما في طرابلس، فترك عدم إجراء انتخابات المجلس الشرعي، نظراً إلى عدم اكتمال النصاب أو فوز المرشحين بالتزكية كما حصل في مناطق أخرى، مصير المجلس معلقاً، وفتح الأبواب على أزمة مفتوحة. وكان واضحاً منذ يوم السبت الماضي أن انتخابات طرابلس تخاض على مختلف المحاور، نظراً إلى وزن طرابلس الانتخابي وثقلها في المجلس الذي تتمثل بسبعة أعضاء فيه من أصل 24، ما جعل التدخلات في انتخابات طرابلس تبلغ مستويات غير مسبوقة. لكن أبرز ما كان لافتاً في انتخابات طرابلس أمس أن أغلب القوى السياسية المعنية بانتخابات المجلس، توافقت على عدم إعطاء غطاء سياسي ـــ قانوني للانتخابات من خلال حثّ ناخبيهم على مقاطعتها، وهو ما ترجم في غياب الناخبين الذين يدورون في فلك تيار المستقبل والرئيسين نجيب ميقاتي وعمر كرامي والجماعة الإسلامية. إذ لم يحضر سوى 20 ناخباً من أصل 145 تتشكل منهم الهيئة الناخبة في طرابلس وبقية أقضية محافظة الشمال، باستثناء عكار. فمنذ صباح أمس، بدت الحركة داخل دار إفتاء طرابلس خجولة، برغم إنجاز كل الترتيبات الإدارية لإجراء الانتخابات التي أشرف عليها عضو المجلس الإسلامي السابق الشيخ بلال شعبان بتكليف من قباني، بالتعاون مع أمين الفتوى في الشمال الشيخ محمد إمام، لجهة تحضيرهما لوائح الشطب وصناديق الاقتراع والعازل الانتخابي والمندوبين المشرفين على الانتخابات، وسط حضور أكثر من المعتاد لعناصر قوى الأمن الداخلي عند المدخل الرئيسي للدار في شارع الجميزات.
لكن مع مرور الوقت، تبيّن أن النصاب لن يتأمن لإجراء الانتخابات، ذلك أن عدد الحضور عند موعد إجراء الدورة الأولى عند الساعة العاشرة قبل الظهر، لم يتجاوز 20 شخصاً من مجمل أعضاء الهيئة الناخبة، معظمهم ممن يدورون في فلك المفتي قباني، وكذلك عند موعد إجراء الجولة الثانية عند الساعة الحادية عشرة التي تتطلب قانونياً حضور نصف أعضاء الهيئة الناخبة، ما دفع المشرفين على الانتخابات إلى تعليق إجرائها إلى حين تحديد موعد جديد لها. هذا الموعد ليس معروفاً بعد، إذ أوضحت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» أنه «ليس هناك مهلة قانونية تلزم المفتي قباني بتحديد موعد جديد لإجراء انتخابات فرعية، وأن الأمر متروك له في هذا المجال». لكن المصادر أشارت إلى أن «المرحلة المقبلة ستكون مأزومة جداً بين المفتي قباني والقوى السياسية، التي باتت ترى المواجهة بينها وبين المفتي سياسية وشخصية أكثر منها قانونية»، متوقعة أن تكون «المرحلة المقبلة صعبة نظراً إلى وجود مجلسين شرعيين يتنازعان الشرعية، وكلاهما غير مكتمل عدده». إضافة إلى ذلك، فإن القوى السياسية المعنية مثلما أوعزت إلى ناخبيها بعدم الحضور إلى دار إفتاء طرابلس لمنع تأمين النصاب، كذلك طلبت ممن يحسبون عليها أو مقربين منها وترشحوا، عدم سحب ترشيحاتهم حتى لا يحصل فوز بالتزكية لبقية المرشحين، بعدما تنبهوا إلى أن المفتي قباني والمقربين منه يتبعون هذا التكتيك الانتخابي، وهو ما سُجّل في بيروت وصيدا وجبل لبنان.




الفائز في صيدا ينسحب

في بيروت وجبل لبنان، فاز بالتزكية كل من هاني عبد الرؤوف قباني وسعد الدين رياض عانوتي وعمر وفيق طرباه وزهير إبراهيم الخطيب ومحمد عبد القادر سنو ومحمد ربيع توفيق قاطرجي وزكريا يحيى الكعكي وعدنان أحمد بدر في محافظة بيروت. أما في قضاءي حاصبيا ومرجعيون، ففاز بالتزكية حاتم محمد طه. وفي مدينة صيدا، فاز بالتزكية كل من أحمد محيي الدين نصار ومحمد موفق إبراهيم الرواس، وطلال ماجد المجذوب. في محافظة جبل لبنان، فاز بالتزكية كل من بلال علي فخر الدين ومصطفى بشير نبوك. أما في قضاء عكار، ففاز بالتزكية بلال أحمد الرفاعي. وفور إعلان النتائج، أعلن الفائز في صيدا محمد موفق ابراهيم الرواس، المناصر للجماعة الإسلامية، انسحابه من المجلس الشرعي المنتخب، قائلاً إن هذه «الانتخابات غير صحيحة وغير قانونية وغير نظامية بسبب أن الدعوة إليها مطعون في قانونيتها بقرار قضائي نهائي مبرم صدر عن مجلس الشورى».