ما إن انتهت مهلة الـ 48 ساعة التي أطلقها الجيش السوري الحر في بيانه، الثلاثاء الفائت، والذي هدد فيه بـ «قصف مصادر نيران حزب الله داخل الأراضي اللبنانية»، حتى فتحت شهية بعض القنوات الإعلامية على بث وتناقل أخبار عن استهداف لمواقع الحزب في سوريا ولبنان، وتحديداً لموقع مدفعية مفترض في بلدة حوش السيد علي على الحدود مع سوريا. انتشر الخبر كالنار في الهشيم، في وقت كانت مدينة الهرمل وبلدتا القصر وحوش السيد علي، تشهدان حياة طبيعية لم ينغص هدوءها سوى الاتصالات التي انهالت على أبنائها هناك، للاطمئنان والاستيضاح.
«لا شيء هنا، وما يحصل ليس سوى بروباغندا مواكبة للبيانات التي أطلقتها المجموعات المسلحة في سوريا، وهي صادرة عن محطات إعلامية داعمة لهم»، بحسب ما تؤكد مصادر من المنطقة لـ «الأخبار». وما أشيع أهدافه واضحة، ولا يعدو كونه «غطاء لما حصل في عرسال والنظرة التي سادت عن إيواء بعض أبناء البلدة لعناصر من جبهة النصرة، في مقابل إظهار قرى حوض العاصي التي يتعرض أهلها للقتل والتشريد، على أنها تحتضن مقاتلين لحزب الله».
المسؤولون الأمنيون نفوا المعلومات التي أشيعت أمس عن قصف طاول الهرمل أو القصر أو حوش السيد علي، وعن سقوط قتيلين، مؤكدين أن ما ساعد على تلك الإثارة الإعلامية عبوة انفجرت منتصف ليل أول من أمس أمام محل قيد الإنشاء في بلدة القصر. وقالت المصادر الأمنية إن العبوة قدرت زنتها بحوالي 300 غرام من TNT، وأدى انفجارها إلى إصابة المواطن نوفل جعفر الذي صدف مروره بسيارته من أمام المحلات بجروح لحظة حصول الانفجار. وتشير المصادر الأمنية إلى أن الانفجار أتى على خلفية «مشكلات عائلية».
الهدوء في الهرمل عاشته أيضاً قرى حوض العاصي في الداخل السوري، حيث يقطن لبنانيون منذ ما قبل إقامة دولة لبنان الكبير. لكن الهدوء هناك لا يزال متأثراً بالاشتباكات العنيفة التي شهدتها تلك المنطقة بين «اللجان الشعبية» من أبناء تلك القرى ومجموعات مسلحة تابعة للمعارضة السورية، حاولت السيطرة على بلدتي الحمّام وأبو حوري. الهدوء والحذر لم يبددهما سوى محاولة تسلل عصر أمس، من قبل مجموعة مسلحة إلى بلدة السغمانية، بهدف السيطرة عليها، حيث فوجئوا بجهوزية أبناء البلدة الذين اشتبكوا معهم، وكبدوهم خسائر بشرية ومادية، ما اضطرهم للانسحاب والتراجع، بحسب ما أكد «أبو جهاد الضيقة»، المتحدث باسم اللجان الشعبية في قرى حوض العاصي لـ«الأخبار». لدى الرجل المطلع على أوضاع قرى حوض العاصي رؤيته للأهداف التي تسعى لها المجموعات المسلحة، فيشير إلى أن «استقدام المجموعات المسلحة للعتاد والعناصر من جوبر، ومهاجمتهم لبلدة الحمّام، ليس سوى الاقتراب أكثر من بلدة زيتا، بغية احتلالها وفتح طريق باتجاه منطقة وادي خالد في الشمال لربطها بمدينة القصير، بغية فتح طريق للإمداد اللوجستي والعسكري، بعد إقفال جرود عرسال وصعوبة المرور فيها».
اللجان الشعبية في القرى السورية التي يقطنها لبنانيون استعدت بشكل كامل، «والشباب لديهم كل الإصرار للدفاع عن أرواحهم وعائلاتهم وممتلكاتهم، على الرغم من إمكاناتهم المتواضعة»، بحسب الضيقة.
الأهالي في زيتا وحويك والحمّام وغيرها من قرى حوض العاصي يرون أن بيانات التهديد بقصف مواقع لحزب الله ليست سوى محاولات لإخفاء هزيمتهم على أيدي شباب «اللجان الشعبية».
اشتباك الأحد الماضي ليس الاول من نوعه. لكنه الأكثر تداولاً في وسائل الإعلام، وبدا وكأن كلمة سر أعطيت لتكبير حجمه وإدراجه في سياق حملة إعلامية تستهدف تسليط الضوء على «تورّط حزب الله ضد الثورة السورية». فلم يبق كيان في المعارضة السورية إلا وأصدر بياناً اتهم حزب الله بالتدخل في المعارك الدائرة في سوريا. ووصل الأمر إلى حد اتهام المجلس الوطني الحزب بمهاجمة قرى في محافظة حمص. عندها بدا أن ثمة حملة منسقة قد بدأت. صحيفة «النهار» صدرت في اليوم التالي بعنوان رئيسي يقول إن «الوقائع السورية ترد على كلام نصر الله». سريعاً، تبنى فريق 14 آذار وغيره من خصوم حزب الله رواية المعارضة السورية، وسط صمت الحزب. تصاعد الهجوم الإعلامي، ووصل إلى ذروته أمس ببيان لما يُسمى «القيادة المشتركة للجيش السوري الحر» يوجه تهديدات للسيد حسن نصر الله. ثم أتبع ببيان آخر، صادر هذه المرة عن رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، أعلن فيه رفضه «التام لاستخدام الأراضي اللبنانية لأي نوع من انواع التدخل العسكري في الشؤون الداخلية السورية، سواء كان لدعم النظام او لدعم المعارضة »، متوجهاً بالأسئلة الآتية: «أين هي الحكومة اللبنانية من كل ذلك، بل اين هي سياسة النأي بالنفس من استخدام الأراضي اللبنانية في الصراع الداخلي السوري، ام ان هذه السياسة تعفي حزب الله من توريط لبنان في هذا الصراع، وتعطيه حقا حصريا في استخدام السلاح على الجبهة اللبنانية ــ السورية؟. ماذا يفعل حزب الله على الجبهة مع سوريا ومن أعطاه وكالة الدفاع عن الحدود، حتى إذا أخذنا بفرضية وقف هجمات المسلحين السوريين؟. واعتبر الحريري «ان ما يحصل على الحدود اللبنانية السورية أمر في منتهى الخطورة، وأخطر ما فيه ان الدولة اللبنانية تمارس من خلاله فعل الغياب عن الوعي وتسلم زمام التفريط بالأمن الوطني لحزب الله».