قبل عامين، كان وزير السياحة السابق فادي عبود يعتقد أن في وسعه مهاجمة إحدى «المغاور» المحمية من سياسيين، مدعوماً من تكتل التغيير والإصلاح، كما يفعل الوزير وائل بو فاعور اليوم مدعوماً من رئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط. أعدّ ملفاته جيداً للهجوم على احتكار شركة طيران الشرق الأوسط للأجواء اللبنانية، مقارناً بين أسعار تذاكرها وأسعار الشركات الأخرى، وذهب إلى مجلس الوزراء مفترضاً أن القضية التي يتحدث عنها تعني كل من يسافر من بيروت واليها، ممن يحسب السياسيون حساباً لأصواتهم.
إلا أنه سرعان ما فوجئ بنواب في تكتله ووزراء يطلبون منه التمهل و»درس الملف» أكثر، ليبقى وحيداً في النهاية. استوعب عبود ببطء أن الاقتراب من «ميدل ايست» ممنوع، وكذلك من تاكسي المطار والكازينو وغيرهما، فانكفأ إلى رعاية المهرجانات السياحية المناطقية. ثمة قضايا «كبيرة» تستحق أن يخوض تكتل التغيير والاصلاح في سبيلها الحروب مثل الحصول على حقيبتي «الاتصالات» و»التربية» وتسلّم الوزير جبران باسيل حقيبة الخارجية، وقضايا «صغيرة» يمكن المرور عليها مرور الكرام مثل الدكاكين التربوية أو صندوق المهجرين أو تهريب الآثار أو وجود مدير فاسد في مصلحة المياه أو هيئة أوجيرو أو شركة الكهرباء.
نجاح بو فاعور في حملته الأخيرة على الفساد الغذائي مرتبط بثلاثة عوامل: أولاً، سعيه شخصياً لتحقيق شيء إيجابي ما. ثانياً، توفير مرجعيته السياسية غطاء له. وثالثاً، مواكبة وسائل الإعلام لخطواته ودعمها له. في تجربة عبّود، توفر العامل الأول وغاب العاملان الثاني والثالث. عذر وزير السياحة السابق أنه جرب، فيما بعض زملائه لم يكلّفوا أنفسهم عناء التجربة. فنجم وزير الثقافة السابق غابي ليون، مثلاً، كان سيلمع لو طلب مرة مؤازرة القوى الأمنية ووسائل الإعلام لاسترجاع الآثار المسروقة من منازل السياسيين وتجار الآثار، إلا أنه لم يسعَ شخصياً إلى تحقيق شيء إيجابي ما، ولم يكن لديه طموح شخصي. اكتفى بتجميد العمل بقانون وزارته الجديد بدل إقرار المراسيم التنظيمية له، من دون بذل أي جهد تشريعي، مكرساً نقل الآثار وتوضيبها بدل الحفاظ عليها في مكانها. وبدل أن يبني شراكات مع الجمعيات المعنية بالثقافة عادى معظمها، وبدت الهوة ساحقة بينه وبين قوى المجتمع المدني.
وزير العمل السابق سليم جريصاتي وجد نفسه في مجالات أخرى لا علاقة لها بـ»العمل».
حصانات سياسية وحسابات ربح وخسارة و«ودائع» إقطاعية


فلم يرَ حاجة إلى مداهمة بعض مكاتب استيراد عاملات المنازل لكشف الحال المزرية التي يعشن فيها، أو وضع حد لمافيات السماسرة حول الوزارة، أو تنظيم إصلاح حقيقي في قانون العمل. وتكرّ سبحة الفرص الضائعة للتغيير والإصلاح لتشمل مغاور العدل والدفاع والصناعة وغيرها. أما في «الاتصالات»، فيحرص الوزير السابق نقولا صحناوي اليوم على عدم نشر وسائل الإعلام البرتقالية أي تفصيل عما يجريه الوزير بطرس حرب في الوزارة، حتى لا يكشف حرب عما أجراه صحناوي قبله. يتحفظ الصحناوي على تسريب أسماء من وظّفهم حرب أخيراً حتى لا يسرّب حرب أسماء من وظّفهم الصحناوي وقائمة المساعدات التي ألزمت شركتا الهاتف بتقديمها في عهده لبعض المهرجانات. هؤلاء سابقاً، ووزير الطاقة ارثيور نظريان اليوم، لم يشعروا أنهم معنيون بـ»الاصلاح» و»التغيير». وأسوة بنظريان، يؤثر الوزير باسيل غض النظر عن «أفواج المقاومة اللبنانية» سواء داخل وزارته أو أمام إداراتها في الأشرفية حتى لا يضيع عهده في أزمة «مياومين» جديدة. فلا إصلاح شبّاك تصديق الشهادات الرسمية يعنيه، ولا مكننة البريد الدبلوماسي ولا محاسبة الموظفين أو فتح ملف الدبلوماسية اللبنانية أو تفقّد دائرة «التلكس» في الوزارة توضع على نار حامية. هذا ليس وقت العراضات العونية بالنسبة لباسيل، إنما وقت الاستيعاب والتعايش.
ومن الوزارة إلى النيابة. قرر نواب «التغيير والإصلاح»، باكراً، أن يقتصر الإصلاح والتغيير على بعض العمل التشريعي في موازاة سعيهم لإحلال أنفسهم محل ميشال المر ومنصور البون وفريد هيكل الخازن وغيرهم في الإمساك بالإدارات العامة في مناطقهم، من دون أي تغيير في آلية العمل، ومن دون محاسبة أو إصلاح. فالنائب نبيل نقولا، مثلاً، لم يفوّت بين عامي 2005 و2010 فرصة للتشهير بأحد موظفي وزارة الطاقة في جبل لبنان إلا واستغلها. ولكن ماذا فعل الوزير باسيل بهذا الموظف بعد تسلمه الوزارة؟ صالحه مع نقولا. كيف انتهت شكوى نقولا من المقاول جهاد العرب؟ صارا صديقين. يُستبدل مدير مقرب من المر بآخر مقرّب من النائب ابراهيم كنعان، وتبقى آلية العمل نفسها؛ تتغير فقط المرجعية السياسية التي يفترض بالمواطنين طرق بابها لتيسير معاملتهم. قبل أسبوعين، كاد الوزير علي حسن خليل يفقد أعصابه جراء شكوى بعض نواب المتن العونيين من موظفة في مالية المتن يفعل أحد زملائهم المستحيل لإبقائها في موقعها، قبل أن يسبق هذا النائب نفسه الآخرين لإعلام من حلّت محلها أنه زكاها لدى الوزير. للإصلاح والتغيير ألف شكل وشكل؛ من مظاهره الحرص الشديد للنائب كنعان على صورة وزير الأشغال السابق غازي العريضي ومشاعره. أحياناً، كان يمكن كنعان أن يتقبل انتقاده بكل رحابة صدر ولا يقبل رشق العريضي بوردة. فهم العونيون أن الحصول على موافقة العريضي على تزفيت طريق في كسروان أو في المتن يستوجب من نواب المنطقتين البصم على مقاربته لملف طيران الشرق الأوسط وغيره، فبصموا. دخلوا لعبة «مرئلي تمرئلك»، واقتنعوا، ربما، انه «ليس بالاصلاح والتغيير وحدهما يحيا الإنسان»!
سابقاً حال الانقسام السياسي دون إقدام العونيين، إصلاحاً وتغييراً، باستثناء بعض الخطوات المحدودة لباسيل في وزارة الاتصالات قبل أكثر من أربع سنوات، فيما يحول الانفتاح دون مبادرة العونيين اليوم. في الوزارات، حالت الحصانات السياسية دون الإصلاح والتغيير المطلوبين، أما في التمثيل النيابي فحالت حسابات الربح والخسارة دون تغيير جيلبرت زوين ويوسف خليل وكل «ودائع» الإقطاع العائلي والضرورات المالية. كما حالت الحسابات نفسها والحساسيات العائلية دون تحقيق أي تقدم على صعيدي الإصلاح والتغيير في تكوين المجالس البلدية وعملها. والنتيجة؟ ليس الإصلاح والتغيير أولوية بالنسبة لتكتل الإصلاح والتغيير. فمنذ انطلاق التكتل كان إقرار قانون انتخابات عادل أولويته في إحدى المراحل، وتوزير باسيل في مرحلة أخرى، و»استعادة حقوق المسيحيين» وانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وتزعم مسيحيي المشرق وعناوين أخرى عدة. أما «الإصلاح والتغيير» فمجرد اسم أطلقه الجنرال على مولوده قبل أن يكتشف سماته الحقيقية.