ويصف زياد حالته بأنّها أشبه بوضع أسير مكبّل، يمضي جلّ وقته تحت «التعذيب»، مشيراً إلى أنّ «أسياخ البلاتين تنخر في جسدي والالتهابات تغزو جروحي، فيما يفاقم عدم توفر العلاجات الضرورية من تدهور حالتي الصحية». ووسط غياب العلاجات والمسكّنات اللازمة، يتمّ التغيير على جروحه من دون تخدير، في حين تم تأجيل العمليات الجراحية التي يحتاج إليها، مرات عدة، بسبب الحالات الطارئة التي تصل من شمال قطاع غزة. وممّا يؤخر وقت التعافي أيضاً، انعدام التغذية الصحية السليمة وقلة الفيتامينات، ولا سيما أنّ الاحتلال يمنع وصول «اللحوم والدجاج والبيض إلى مدينة غزة وشمالها، منذ بدء الحرب»، طبقاً للمبيض، الذي يطالب «المؤسسات الدولية بالعمل على إدخال الأدوية والعلاجات ومسكّنات الآلام، فضلاً عن الأغذية الضرورية التي يحتاج إليها الجسم للشفاء».
ولا تقلّ أوجاع ابتهال سرور، التي أصيبت وزوجها وطفلها في قصف استهدف مركز إيواء مدرسة النصر في آب الماضي، وفقدت على إثره طفلَيها الآخرَين حدّةً، ولا سيما أنّ أعمدة البلاتين نفسها قد زُرعت في عظام ساعدها الأيمن، والجزء العلوي من رجلها اليمنى، ما يعيق حركتها ويمنعها من ممارسة حياتها الطبيعية، ويجبرها على الاستعانة بالكرسي المتحرّك. وتصف سرور الشعور بأنّه «أشبه بكهرباء تسري في جسدي، خصوصاً عندما أغسل يدي بالمياه العادية»، متابعةً، في حديث إلى «الأخبار»، أنّ «فصل الشتاء لم يبدأ بعد، والبرد ينهش عظمي»، متسائلة عمّا ستؤول إليه الأوضاع، بعد أن تصبح درجات الحرارة أكثر انخفاضاً. وتوضح سرور أنّ جهاز البلاتين «يضغط على الأوتار، ويؤدي إلى تيبّس في عضلات اليد والقدم ومفصل الرجل اليمنى». وعلى غرار زياد، تلفت إلى أنّه من المفترض أن تكون بعض الكسور قد التأمت بالفعل، لولا سوء التغذية.
وفي السياق نفسه، يوضح الدكتور فضل نعيم، استشاري طب وجراحة العظام والقائم بأعمال مدير «المستشفى المعمداني»، في معرض حديثه عن المضاعفات التي تصيب الجرحى، أنّ مسامير البلاتين التي تخترق العظم واللحم، تؤدي إلى تهيّج الجسم وإصابته بالتقرّحات، وتسهّل وصول الميكروبات إلى العظم والتهابه، فضلاً عن المعاناة اليومية التي تسببها في ما يتعلق بالنظافة الشخصية والملابس والنوم، مشيراً إلى أن الأطباء يضطرون إلى إبقاء جهاز البلاتين على أطراف المصابين مدة طويلة، لأسباب عدة، من بينها أنّ الكسر يكون في بعض الأحيان مركّباً ومشتملاً على فقدان في العظم، وأن عدداً من المصابين يحتاجون إلى تحويلهم إلى خارج القطاع، وأن ثمة أعداداً كبيرة جداً تصل بشكل متواصل، «ما يمنعنا من التعامل مع الكسور القديمة». ويلفت نعيم إلى أن إغلاق المعابر أدّى إلى نقص في الإمكانات، وعجز الوزارة عن تحويل المصابين إلى الخارج، ما يؤخّر علاجهم، ويؤدي إلى بتر أحد أعضائهم، بالإضافة إلى عدم قدرة الوفود الطبية على الوصول إلى القطاع لمساندة الكوادر الطبية، التي تعمل بشكل متواصل منذ عام.
ويبين أن «البلاتين الخارجي يُستخدم مؤقّتاً لعلاج الكسور التي تصيب الأنسجة الرقيقة، والتي لا يمكن تثبيتها من الداخل تجنباً لحصول التهاب، فضلاً عن سرعة تركيبه مقارنة بالبلاتين الداخلي»، مضيفاً أنّه «في حال وصول عدد كبير من المرضى والمصابين في اللحظة نفسها، نضطر إلى وضع البلاتين الخارجي كتثبيت مؤقت، بهدف الحفاظ على الكسر في وضع مقبول إلى حين استقرار الحالة العامة، وتمكّن الاختصاصيين الآخرين من التعامل مع الحالات». على أنّ المشفى يعاني، طبقاً لنعيم، من نقص شديد في أدوات تثبيت الكسور، سواء الداخلية أو الخارجية، «ما يجعلنا مضطرين، في كثير من الأحيان، إلى أن نعيد استخدام الجهاز الواحد لأكثر من مريض بعد تعقيمه، بينما نضطر، في حالات أخرى، إلى إجراء تعديل وثني في الشريحة أو البلاتين، لتناسب مكان الكسر».
كسور الغزيّين بلا جبْر: «البلاتين» يضاعف معاناة الجرحى
غزة | في قسم جراحة العظام في «المستشفى الأهلي العربي» المعروف بـ«المعمداني»، يستلقي زياد المبيض على سريره، وقد لفّ ما تبقّى من ساعده الأيمن بالشاش الأبيض، فيما أسياخ البلاتين تمتد داخل عظام ساقه، من الركبة إلى كفة القدم. ويروي زياد الذي كان قد أصيب، الشهر الماضي، خلال تواجده في مركز إيواء «مدرسة ابن الهيثم» في حي الشجاعية، في حديث إلى «الأخبار»، تفاصيل لحظة استهداف طائرات الاحتلال للمركز، مشيراً إلى أنّه «كان جالساً مع أسرته»، قبل أن يتسبب الهجوم ببتر في ساعده الأيمن وفقدان مفصل الرجل اليمنى، بالإضافة إلى كسور، وجرح بعمق 4 سم في الساق نفسها، «بينما أصيب طفلاي بجروح في الرأس والجسد، وهما حالياً يتماثلان للشفاء».