لا شيء يحول بين المدارس واستيفاء الأقساط، لا حرب ولا تهجير ولا كارثة طبيعية. تمارس إدارات المدارس حياتها «الطبيعية» وكأنها في سويسرا لا في بلد تطحنه الحرب. فبعض المدارس «الكبيرة»، أو الـ«براند» التي باشرت العام الدراسي مطلع أيلول الماضي، بدأت تطالب بالدفعة الثانية من الأقساط الخيالية التي فرضتها هذا العام بحجة أنها تسدي التعليم بأشكاله المختلفة (حضوري وعن بعد) من دون انقطاع، علماً أن أقساط هذه المدارس بالدولار باتت توازي ما كانت عليه بالدولار قبل الأزمة الاقتصادية، ويلامس في بعضها الـ 8000 دولار.
وتتصرف هذه المدارس بشكل مستقل عن وزارة التربية، ولا يعنيها كل ما قاله وزير التربية، عباس الحلبي، في مؤتمره الصحافي في أوائل الشهر الجاري، لجهة التقيّد بالمادة 5 من القانون 515/96 (قانون تنظيم الموازنة المدرسية وتحديد القسط المدرسي)، التي تنص على أنه «لا يجوز أن تتجاوز قيمة القسط الأول 30% مِن قسط العام الدراسي السابق»، وبالتالي إعادة النظر في الأقساط المعلنة بِما يأخذ في الاعتبار آثار العدوان على العائلات، والحالة المعيشية والمعاناة الاجتماعية.
يومها، هدّد الوزير باتخاذ الإجراءات القانونية بِحق المدارس المتيقّنة بأنه لم يسبق للحلبي أن حاسب أياً منها، وإذا صودف في وقت من الأوقات أن سحب توقيع أيّ من المديرين فإن ذلك يكون شكلياً، من دون أن يؤثّر على أيّ من معاملات المدرسة التي تستمر الوزارة في استقبالها بما في ذلك الموازنة المدرسية التي تقبلها الوزارة حتى لو لم تكن قانونية وغير موقّعة من لجنة الأهل.
وإذا كان الملف مؤجّلاً بعض الشيء بالنسبة إلى معظم المدارس الخاصة الأخرى التي تقاضت، بالمناسبة، قبل الحرب، رسوم التسجيل والقسط الأول وفق «التسعيرة» الجديدة، فإنه سيأتي عاجلاً أم آجلاً، بما أن هذه المدارس عاودت هي الأخرى التدريس بالطريقة التي تناسبها، بما في ذلك التعليم الحضوري، ولن تكترث بما يلوّح به قسم من الأهالي بعدم سداد المبالغ نفسها، لكون التعليم عن بعد ليس بديلاً عن الصفوف الدراسية ويجب التعويض على التلامذة أياماً إضافية. وثمة قسم ثانٍ من الأهل يتردّد في اتخاذ أي موقف، لكون واردات المدرسة مشروطة، من حيث المبدأ، بتسديد الأقساط، وقد تشكل ذريعة لإدارات المدارس لخفض رواتب المعلمين والموظفين أو الامتناع عن دفعها تماماً.

تستوفي المدارس الأقساط وفق «التسعيرة» الجديدة كما في الأوضاع الطبيعية


وثمة من هو مقتنع بأن النفقات التشغيلية المنصوص عليها في الموازنة المدرسية يجب أن تُعدّل حكماً تبعاً لعدم صرف المدرسة هذه النفقات في الفترة التي تقفل فيها أبوابها، وبالتالي يجب أن تخفّض من القسط، علماً أنه لا يوجد نص في قوانين التعليم ينص في أيّ من مواده على حالة إعلان الطوارئ وإقفال المؤسسة. وبما أنّ عقد التعليم هو عقد متبادل والقسط هو مقابل التعليم، فهذا يعني أنه إذا لم يتعلم التلميذ فلا يستحق عليه الجزء من القسط الموازي لفترة التعطيل إذا لم تُعوّض، وإذا تعلّم، فينبغي على الأهل أن لا يتخلّفوا عن دفع القسط، وأي تغيير في نوعية التعليم وخدمته يستوجب قراراً وموافقة لجنة الأهل في المدرسة وموازنة جديدة، لكون العقد تغيّر.
يجدر التذكير أن وزير التربية السابق طارق المجذوب اتّخذ في زمن جائحة كورونا، حين تحوّلت المدارس إلى التعليم عن بعد، قراراً رسمياً بخفض القسط بين 35 و50%، وقد التزمت نسبة كبيرة من المدارس بالقرار، فهل يفعلها الحلبي، خصوصاً أن معاناة العائلات لا تقتصر على تأمين مقوّمات تقنية للتعليم، إنما تتجاوزها إلى الاستشهاد والتهجير وتدمير المنازل وخسارة الأعمال.