هي واحدة من المعارك الذكية التي خاضها تيار المستقبل على قاعدة «اضرب الظالمين بالظالمين»، ليستعيد نفوذه داخل «اتحاد جمعيات العائلات البيروتية»، أبرز المؤسسات قي لعاصمة. وصار بإمكانه الانتقال بسلاسة لـ«يكمش الأرض» عبر فرض معادلة المشاركة في الاستحقاقات البيروتية والسنيّة المقبلة، وأبرزها انتخابات المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى والانتخابات البلدية والاختيارية المقبلة.إذاً، نجح الحريريون في اختبار شعبيّتهم، ووصلت الرسالة بوضوح إلى خارج العاصمة بأن الرئيس سعد الحريري، من قلب منفاه الإماراتي، ما زال مُمسكاً بالأرض البيروتيّة وما زال قادراً على التحكّم في زواريبها.
ولم يعد ينفع كثيراً ما إذا كان الرجل مُعتكفاً عن عمله السياسي، طالما أن اللائحة التي يرأسها محي الدين كشلي وتضم أسماء «فاقعة» ولصيقة بالتيّار وتحظى بدعمٍ واضح منه، تمّكنت من اكتساح الانتخابات أمس، عبر إيصال ١٤ عضواً من أصل ١٨.
ولم تُجد نفعاً الحملة السياسية التي خيضت في وجه كشلي لـ«صفع» المستقبل عبر تشطيبه، بذريعة أنه فُرض عليهم من قبل المسؤول عن ملف الاتحاد داخل المستقبل جلال كبريت، خصوصاً أن كشلي ليس من الناشطين فيه ولم يكن يوماً ضمن هيئته الإداريّة.
هكذا، التفّ «الزرق» على خصومهم الذين اجتمعوا من أجل كسرهم عبر لائحة يدعمها «اللقاء التشاوري» ويرأسها عبدالله شاهين وتضم شخصيات محسوبة على النائب فؤاد مخزومي و«مجموعة النهوض ببيروت» التي تحظى بتأييدٍ واضحٍ من الرئيس فؤاد السنيورة، إضافة إلى ما يتردد عن دعمٍ من بهاء الحريري. علماً أن المحسوبين على السنيورة ومخزومي نالوا أصواتاً هزيلة مقارنةً مع زملائهم.
أثبت الحريري، من منفاه الإماراتي، أنه لا يزال مُمسكاً بالأرض البيروتيّة


وإذا كان المستقبل حجّم خصومه بضربةٍ قاضية داخل الصناديق، فإن الرؤساء السابقين لـ«الاتحاد» لم يسلموا أيضاً من «الحيل الزرقاء»، إذ يروي بعض المتابعين لعمليات الفرز التي بقيت حتى ساعات الفجر الأولى أنّ المستقبليين لم «يحلبوا صافي»، بل كانت عمليات التشطيب ظاهرة لدى الذين صوّتوا للائحة «المستقبل» على عكس «لائحة التشاوري». وهو ما أدى إلى نيْل المحسوبين على التيار كالزميلين منير الحافي ولينا دوغان ومنسق بيروت السابق وليد دمشقية أصواتاً عالية، مقابل هزيمة مني بها المرشحون المحسوبون على الرؤساء السابقين وخصوصاً محمد عفيف يموت ومحمد الأمين عيتاني.
ويفسّر هؤلاء هذا الأمر بأنه «مكيدة» قادها بعض «الزرق» الذين تحالفوا مع الرؤساء من فوق الطاولة ووقفوا خلفهم في معركة «على المنخار» في وجه «التشاوري» قبل أن يتم تشطيب مرشحيهم من تحت الطاولة. وبالتالي، فإن المستقبل يبدو أنه «لم ينم على ثأره» وسريعاً ما استرد اعتباره، بعدما اصطف هؤلاء إلى جانب السنيورة خلال الانتخابات النيابية الأخيرة ودعموا لائحته بكل ما أوتوا من قوة بعدما حوّلوا مقر الاتحاد إلى ماكينة انتخابية تعمل لصالح لائحة خالد قباني.
في المقابل، يؤكد مستقبليون أن هذا الأمر لم يحصل وأن عمليّات التشطيب طاولت معظم المرشّحين، على قاعدة أن كثيرين أخذوا في الاعتبار الصداقات الاجتماعية والقرابة العائليّة، إلا أنّ «الحملة السياسيّة» ركّزت على «طمس» اسم كشلي، لتوجيه رسالة واضحة إلى «المستقبل» بأنّه لم يعد «يمون» داخل «الاتّحاد»، وهو ما لم يحدث.
في المقابل، نال مرشّح الرئاسة على لائحة «التشاوري» عبدالله شاهين أعلى نسبة تصويت، خصوصاً أن الأخير يعد من الناشطين البارزين داخله وكان نائباً للرئيس لأكثر من دورة ويحظى يعلاقات متينة مع جميع القوى، بالإضافة إلى أن شاهين بقي حتى اللحظات الأخيرة قبل إعلان اللائحة يعرض انسحابه على طاولة المفاوضات مقابل التوصل إلى تسوية وفاقية.