التوتر المسيطر على عقل القيادة العسكرية والأمنية في كيان الاحتلال، يدفعها إلى خطوات كثيرة على الأرض. والعدو الذي قال إن لديه «من المعطيات ما يقود إلى استنتاج بأن حزب الله في وارد القيام بأمور خطيرة»، وضع لنفسه استراتيجية الاستعداد. لكنها، كما جرت العادة، استراتيجية تقوم على قاعدة توسيع العدوان لا أكثر.منذ نحو عشرة أيام، تنشط قوات الاحتلال الإسرائيلي بشكل غير اعتيادي في منطقة العرقوب، وتحديداً في تلال كفرشوبا. وللمرة الأولى منذ انسحابها من لبنان عام 2000، تعمل هذه القوات على تغيير معالم المنطقة، من خلال حفر خنادق واقتلاع صخور وتجريف أراضٍ، تمهيداً لتمديد سياج حديدي جديد بطول كيلومترين، بين موقع السماقة وبوابة حسن المحاذية لبركة بعثائيل في خراج كفرشوبا.
عملية تثبيت «الخط الأزرق» كأمر واقع في هذه المنطقة لا يبدو أنها تمرّ بسلاسة مع إصرار أهالي العرقوب على التصدّي لتكريس «الحدود» ضمن أراضيهم المحتلة، واقتطاع عشرات الكيلومترات منها. يتسلّح الأهالي، إلى جانب حقّهم الطبيعي، بالموقف الرسمي للدولة اللبنانية الذي لا يعترف بـ«الخط الأزرق» في هذه المنطقة، ويطلق على آخر «نقطة دفاع» انسحب منها الاحتلال الإسرائيلي عام 2000، اسم «خطّ الانسحاب»، الذي بات منذ ذلك الوقت بمثابة الحدّ الفاصل بين الأراضي اللبنانية المحرّرة، وتلك التي لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي، وتبلغ مساحتها نحو 8 كلم تعود ملكيتها لأبناء كفرشوبا. فيما تقف قوات «اليونيفل» متفرّجة على المواجهات المتواصلة بين قوات الاحتلال وأهالي كفرشوبا والعرقوب، بحجة أن الحفريات تجري خلف «الخطّ الأزرق». ورغم أن لبنان لا يعترف به، إلا أن عناصر الجيش اللبناني يحرصون على عدم تجاوزه، ويحاولون منع الأهالي من اجتيازه كذلك.
صحيح أن التحركات الشعبية تمثل عنوان الاحتجاج اليومي، لكنّ العدو يعرف، كما أهالي المنطقة، بأن المقاومة موجودة هناك، وأن العمل الاستعراضي الذي لا تجيده المقاومة، لا ينفي حضورها بكل الأشكال التي تناسب برنامج عملها، الدفاعي والهجومي. وهو عنصر يقلق العدو الذي يحاول ربط تحرّكاته في تلال كفرشوبا ومزارع شبعا، بالعمل على الحدّ من عمليات «اختراق الحدود» من جنوب لبنان باتجاه فلسطين المحتلة. كما أن تركيز العدو صوب هذه المنطقة ومحاولة تحصينها، يرتبط بشكل أساسي بـ«إشارات تحاول تل أبيب من خلالها القول للمقاومة في لبنان إنها على علم بقرارها إعادة تنشيط العمل المقاوم في المنطقة». يأتي ذلك بالتوازي مع تسريبات إسرائيلية مستمرة في الإعلام العبري عن «تحركات لوحدات من المقاومة بدأت تنشط بالفعل هناك».
في كانون الثاني 2015، أسقطت المقاومة المعادلات التقليدية التي كانت قائمة منذ التحرير عام 2000، يوم ردّت على الغارة الإسرائيلية في القنيطرة، بعملية أمنية دقيقة في مزارع شبعا استهدفت موكباً عسكرياً إسرائيلياً موقعة قتلى وجرحى في صفوف الضباط والجنود الإسرائيليين. منذ ذلك الحين، تترقّب إسرائيل يوماً تكون فيه الجبهة مفتوحة وممتدة على طول الحدود الشمالية لفلسطين، وهي تعمل ما أمكنها للاستعداد لمثل هذا السيناريو.
وقد ازدادت الخشية الإسرائيلية مع معادلة «وحدة الساحات» التي تحاول قوى المقاومة إرساءها للتعامل مع احتمال نشوب «الحرب الشاملة المرتقبة» مع إسرائيل. وفي هذا السياق فهم الإسرائيليون كلام رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله السيّد هاشم صفي الدين، في ختام المناورة التي نفّذتها المقاومة في أيار المنصرم، عن أن المقاومة موجودة في الميدان، وهي معنية باستعادة الحقوق في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
وليس منفصلاً عن مراكمة عوامل القوة، أتى «إعلان جدّة» الذي شدّد على «أهمية وضرورة التفريق بين الإرهاب والمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، التي هي حق أقرّته المواثيق الدولية ومبادئ القانون الدولي»، و«التأكيد على حق اللبنانيين في تحرير أو استرجاع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا اللبنانية والجزء اللبناني من بلدة الغجر، وحقهم في مقاومة أي اعتداء بالوسائل المشروعة»، كتسليم عربي بالنتائج السياسية والعسكرية والأمنية لأداء المقاومة وحدود ما تمتلكه من قوة. وهو عامل يزيد من قلق العدو الباحث عن فرصة تشكيل حالة سياسية في لبنان، تنتهي إلى سحب اسم شبعا وكفرشوبا ومزارعهما من أي بيان وزاري مقبل.