تراجعت قليلاً موجة الضغط التي سادت في الأيام الأخيرة، ورسمت تساؤلات وتوقعات بالذهاب سريعاً الى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية. المواعيد التي أعطيت لتسريع وتيرة انتخاب رئيس جديد، ربطاً بالقمة العربية أو باللقاء الخماسي الذي أرجئ، أو بتطورات الـ«سين - سين» بنسخة عام 2023، بدا أنها غير قابلة للترجمة العملية بحسب ما أشارت إليه بعض الإيحاءات، سواء من ثنائي أمل وحزب الله وتيار المردة أو من نواب التقوا السفير السعودي وليد البخاري.
(هيثم الموسوي)

ويقول مطّلعون على محادثات مستمرة منذ أسابيع بين أعضاء اللقاء الخماسي، إن الأنظار يجب أن تتجه الى ما تقوم به قطر، وليس إلى حركة السفير السعودي في بيروت، كمؤشر على اتجاهات اللقاء. فمنذ اللحظة الأولى، كانت الدوحة تتصرف على أنها أقرب الى نظرة واشنطن - وإلى حد كبير السعودية كقرار رسمي - وما تريده في لبنان والمنطقة. وهي، في حركتها الدبلوماسية التي بدأت وستتكرر في بيروت أو في الاتصالات الخارجية، لا تزال تتصرف بوحي أن هناك خطاً بيانياً لحركة اللقاء لم يتم اختراقه بعد. فالإدارة الأميركية المتحفّظة جداً من الخطوات العربية والسعودية تجاه سوريا، لم تعلن كلمة سرّها بعد، وإن كانت قطر أقرب من يعرفون إشاراتها. وتتصرف واشنطن، كما الدوحة، على أنها غير معنية بما يجري من ضغوط لبنانية، أو ترجمة التحرك السعودي في بيروت في شكل مغاير لما هو عليه. علماً، بحسب هؤلاء، أن ما ينقل لبنانياً عن السعودية لا يقارب حقيقة الموقف السعودي الرسمي في اللقاء الخماسي، والذي لا يزال معمولاً به مع العواصم الأربع الأخرى التي تتعاطى مع الرياض من وحيه. ويؤكد هؤلاء أنه منذ اليوم الأول لدخول الدول الخمس على خط الانتخابات الرئاسية، لا تزال المعادلة نفسها: 50% لحظوظ قائد الجيش العماد جوزف عون مقابل 50% يتقاسمها بقية المرشحين، بمن فيهم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية والاسم الذي ستختاره المعارضة. وهذا التوجّه الأميركي - المصري - القطري لا يزال متقدماً. إذ تشير المعلومات الى أن استمرار عون ضمن المعادلة الرئاسية يعني عملياً أن إمكان الانتقال من الصيغ المطروحة حالياً في بيروت سيقتضي برمجة جديدة لإدارة الانتخابات. فالمعطيات تحتّم القول أن لا قبول من الثنائي بقائد الجيش في الوقت الراهن، مهما كانت ضغوط اللقاء الخماسي، وحتى لو أعلنت باريس صراحة تخلّيها عن مبادرتها الرئاسية، لأن ذلك لا يؤتي ثمنه الحقيقي، ولن يتمكن الثنائي من تحقيق مكسب منه. أما التخلي عن فرنجية مقابل تخلّي المعارضة عن مرشحها، بتعذّر حصول كليهما على 65 صوتاً، فسيعني أن المقايضة ستكون وفق أثمان تدفع داخلياً وخارجياً. وهذا كله ليس مرهوناً بوقت قريب.
الحراك القطري هو الأقرب الى نظرة واشنطن الى لبنان والمنطقة


وبحسب المعطيات، كذلك فإن باريس التي دخلت على خط الرئاسيات وهي تعلم جيداً موقف الدول الأربع، باتت أقرب الى التعامل مع مبادرتها على أنها لم تعد قابلة للحياة، وإن لم تعلن فشلها، وأن هناك تدرجاً للمرحلة المقبلة يفترض التعامل معه بروية. كما أن إدارتها المستجدة للملف الرئاسي بعد ارتفاع الانتقادات اللبنانية، يدفعها أكثر إلى التعامل مع شركائها على الخطوط العريضة للمستقبل. وبحسب المعطيات، فإن الدول الخمس لا تزال تبحث عن مواصفات التسوية الشاملة رئيساً وحكومة ووزراء. وهي، في إطار بحثها عن ضرورة خروج لبنان من الدائرة المقفلة لمرشحين، رئاسياً وحكومياً ووزارياً، كانوا جزءاً ممّن أسهموا في إيصال الوضع إلى ما هو عليه، تفتش عن الصيغة الأفضل لهذه التسوية الشاملة. لكنها تصطدم بما اصطدمت به القوى المستقلة في لبنان، وهي نتائج الانتخابات النيابية التي أعادت تعويم الطبقة السياسية نفسها التي يفترض أن اللبنانيين تظاهروا ضدها في 17 تشرين، ما يعني تضييق مساحة الخيارات التي كان يفترض أن تساهم في تقديم تسوية جديدة مغايرة للنمط السائد. وهذا الأمر يشكل مدعاة نقاش موسّع حول إمكانات التوصل الى صيغة تخرج من نطاق المتوقع من الذين سيتسلّمون الحكم في المرحلة المقبلة. والمفارقة التي يتوقف عندها المطّلعون على النقاشات الخماسية، أنها تتحدث بوضوح عن المرحلة المقبلة للوضع اللبناني وحيثياته السياسية والاقتصادية من خلال إطار سياسي واسع، على عكس القوى اللبنانية التي تغرق في تفاصيل يومية، من دون البحث عن آفاق لمستقبل الأزمة وطرح حلول شاملة لها بأبعد من انتخابات الرئاسة. هذا كله من شأنه أن يرخي بظلاله على اندفاعة استجدّت في الأيام الأخيرة تحت وطأة الضغوط التي أوحت بأن الانتخاب بات قاب قوسين وأن الـ 65 صوتاً لفرنجية أصبحت في جيب الثنائي.