مع التوجه السعودي الجديد بـ«غضّ الطرف» عن انتخاب رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، والذي قد يكون أول الغيث في تطورات قد تكرّ سبحتها الأسابيع المُقبلة، ترافقت حركة السفير السعودي وليد البخاري مع عملية تقصٍّ حول حقيقة ما تسرّب من معطيات تقاطعت كلها عند تحوّل في موقف الرياض يميل إلى إرساء تسوية تتيح للبنان عبور مرحلة الانهيار، وإن كان «هذا الموقف لا يزال في بدايته ويحتاج إلى وقت كي تثبت صحته».هكذا قرأ من يتواصلون مع البخاري في بيروت إشارات أطلقها في جولته التي استكملها أمس بلقاءات مع البطريرك الماروني بشارة الراعي ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب وشيخ العقل لطائفة الموحّدين الدروز سامي أبي المنى والنائب سامي الجميل، فيما أُرجئ لقاؤه مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لوجوده في الخارج.
ما جعلَ جولة البخاري محور متابعة أنها تأتي على وقع حركة سعودية، عربية ودولية، يوازيها تطور في الاتصالات الفرنسية - السعودية نقلَ مقاربة الرياض للملف اللبناني من السلبية المطلقة إلى الحياد الإيجابي. وبحسب المعلومات، كانت هذه هي المرة الأولى التي يلمس فيها من التقوا السفير البخاري أو تواصلوا معه أن الأخير «عاد إلى لبنان بوجه آخر».
فهو، في الشكل، بدا أكثر ارتياحاً في لقاءاته مع الأطراف التي تُعدّ على خصومة مع الرياض مما كان عليه لدى لقاءاته مع فريق «الأصدقاء». فبدا مع الطرف الأول أكثر ودّاً، فيما ظهرت لقاءاته مع الثاني كأنها لإبلاغ موقف ليسَ إلا.
وفي المضمون، بدا «التغيير» واضحاً. فبعدما كانت الرياض سابقاً تضع معايير، أقلّها «انتخاب رئيس من خارج الطبقة السياسية وغير متورط بالفساد»، شدّدت البيانات التي أعقبت لقاءات البخاري على أن المملكة «لا ترتضي الفراغ الرئاسي المستمر الذي يهدّد استقرار الشعب اللبناني ووحدته»، ما فسّر بأنه ردّ على المهددين بمقاطعة جلسات الانتخاب، وتحديداً حزب القوات اللبنانية.
ومع صعوبة التكهن بما يُمكن أن يفضي إليه التحوّل في الموقف السعودي، يختصر العارفون أسبابه وما يُمكن أن ينتج بالآتي:
أولاً، لم تعُد المملكة تجِد ما يبرر موقفها المعادي لخصومها في لبنان أو اعتراضها على انتخاب فرنجية لارتباطه بمحور معين، في وقت أبرمت فيه مع إيران اتفاقاً حول عدد من ملفات المنطقة، وفيما تسير بخطى ثابتة وسريعة في اتجاه سوريا رغمَ كل الأصوات المعترضة.
ثانياً، تركيز الرياض منصبّ على تحقيق «رؤية 2030» وتسابق الزمن لتطبيقها، ويساعدها في ذلك محيط أكثر استقراراً وأمناً وخفض التوتر مع الدول المجاورة.
ثالثاً، حرصت الرياض من خلال سفيرها في بيروت على الوقوف في الوسط. صحيح أنها لم تستخدم حق الفيتو باعتبارها عضواً في المجموعة الخماسية المُمسكة بالملف اللبناني، لكنها لم تعلِن انخراطها في التسوية، وهو ما أبلغه البخاري لمن يهمّهم الأمر بأنها لن تتدخل لتليين موقف أصدقائها أو الضغط عليهم لتأمين نصاب سياسي أو دستوري. وقد فسّر المعنيون ذلك بأنه مخرج لتبرير الإحجام السعودي عن تقديم الدعم المالي للبنان لاحقاً، وهو قرار نقله مسؤولون سعوديون الى جهات لبنانية، لأن المملكة «حريصة على دفع كل فلس في استثمارات داخلية».
لا مبرّر للاعتراض على فرنجيّة لارتباطه بمحور معيّن في وقت أبرمت فيه الرياض مع إيران اتفاقاً وتسير بخطى ثابتة نحو سوريا


وكان قد نقل عن البخاري قوله في لقاءاته أن «السعودية لا ترى نفسها مضطرّة إلى الدخول في تسوية، وهي قالت لحلفائها إنها لن تقف في وجههم إن هم قدروا على إفشال المشروع الفرنسي، لكنها لن تكون شريكة في أي معركة»، وإن كل تركيزها يصب «في المنطقة وسوريا والجامعة العربية وإيران، ولبنان بالنسبة إليها تفصيل»، داعياً إلى «مراقبة الموقف الأميركي».
يعني هذا، عملياً، أن المملكة قررت ألا تكون شريكة في التسوية التي تريدها باريس، لكنها حتماً لن تعطلها. لذا أعطت إشارة مريحة للفريق الذي يدعم فرنجية من دون استخدام السوط مع الفريق الذي يعارضه، فلم تخاصم هذا ولم تعاد ذاك. وبالتالي، بات السؤال عن الخطوات التي يُمكن أن تتخذ تحضيراً لانتخاب فرنجية.
في هذا الإطار، تقول أوساط سياسية إنه «في حال عدم حصول أيّ تطور دراماتيكي في لبنان أو المنطقة، يُمكن القول إن انتخاب فرنجية صارَ في نهاياته»، لكن الأمر «يحتاج الى ترتيبات داخلية ستأخذ وقتاً». وهذه الترتيبات لها علاقة «بموقف النواب السنّة والنواب المسيحيين الذين سينخرطون في التسوية، وبعض نواب التيار الوطني الحر ليسوا بعيدين عن الجو»، مشيرة إلى أن «الموقف ليسَ سهلاً، حتى على جنبلاط الذي سيحتاج انخراطه بالتسوية إلى خطوات معينة داخل الحزب ومع القوى المسيحية التي يحرص على عدم معاداتها لاعتبارات خاصة بالجبل»، وهذا مسار «لن يُحلّ في يوم أو يومين، وبالتالي الحديث عن الدعوة الى جلسة انتخاب قريبة هو مبالغة». وتتقاطع هذه الأجواء مع معلومات تفيد بلقاء جمع بري وفرنجية أمس، بحضور الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، كان فيه رئيس المجلس صريحاً بأن «السعودية لم تفتح الأبواب كلياً بعد، وأن الأمر يحتاج إلى مزيد من الوقت والعمل على الكتل والنواب والقوى السياسية لتأمين النصاب».