كثيرة هي الأسباب الموجبة لجمع اللبنانيين كشعب واحد بهمٍّ مشترك. بدءاً من دخول البلد مرحلة قاسية هدفها تسريع مرحلة التجويع، وصولاً إلى السقوط المدوّي للمؤسسة القضائية، مروراً بانكشاف حجم التدخلات الخارجية والاستغلال السياسي الداخلي لدماء ضحايا انفجار المرفأ، ما سيطيح بالحقيقة المنتظرة. إلا أن كل ذلك رفع منسوب السخونة المتراكمة على الساحة المفتوحة على فوضى قد تؤدي في أحد احتمالاتها إلى «فتنة» تتعامل معها الأجهزة الأمنية على أنها «خطر طارئ» ما دفعها أمس إلى رفع مستوى الجاهزية بين عناصرها، بالتزامن مع تجاوز الدولار عتبة الـ57 ألفاً ما فرض وضعاً معيشياً أكثر ضغطاً، ونقل اللبنانيين إلى مرحلة أشد اهتزازاً على صعيد الأمن الاجتماعي.مؤشرات تسارع الانحدار بدأت الأسبوع الماضي، ودفعت بعض الناشطين من مناطق مختلفة إلى الاجتماع والتباحث في إطلاق دعوات (كان يفترض أن يعلن عنها الأسبوع المقبل) للتحرّك في ساحتي رياض الصلح والشهداء وأمام مصرف لبنان. إلا أن وتيرة انهيار العملة وبلوغ أسعار المحروقات أرقاماً خيالية كان أسرع من أي تحرّك منظّم، فارتأى البعض التعبير عن غضبه بقطع عدد من الطرقات الرئيسية حتى ساعات متأخرة من الليل. وامتد القطع إلى الطرقات الداخلية بين القرى، بالتزامن مع تظاهر العشرات أمام مصرف لبنان. وكان لافتاً عودة ظهور وجوه تدور حولها الشبهات كالناشط الطرابلسي المعروف ربيع الزين الذي يشارك منذ نحو أسبوع في كل التحركات أمام مجلس النواب تضامناً مع النواب المعتصمين وأمس أمام المصرف المركزي.
قرارات القاضي طارق البيطار وما تبعها من كباش مفتوح على مصراعيه قسّم العدلية بشكل واضح، وسيؤدي إلى تحرّك شارع آخر تدفعه إجراءات النائب العام التمييزي غسان عويدات بحق قاضي التحقيق للاعتراض «حمايةً للبيطار»، ظناً أن ذلك يضمن ظهور الحقيقة في جريمة تفجير مرفأ بيروت. وعلمت «الأخبار» أن الحماسة ليست عالية في صفوف الناشطين للنزول إلى الشارع. وكأن الجميع تحت تأثير التطورات وغرابتها. إلا أن سرعة إخلاءات سبيل الموقوفين في القضية، دفعت البعض إلى طرح أفكار للتحركات والدعوات.
ومن منطلق أن «عويدات يريد منع البيطار من استكمال التحقيقات» نفّذ أهالي الضحايا يرافقهم عشرات الناشطين التحرك الأول أمام منزل عويدات. وبدأ توزيع دعوات للتظاهر والتصعيد اليوم عند الحادية عشرة أمام قصر العدل تزامناً مع اجتماع مجلس القضاء الأعلى للبت في قضية البيطار، ودعوات أخرى للتواجد أمام منزل البيطار بهدف حمايته. جميعها حملت وسوماً من قبيل «7 أيار قضائي. مع القاضي البيطار. رجع ياخد بيطارنا...». وكعادتهما وجد حزبا الكتائب والقوات فرصة جديدة للاستغلال، إذ سيتواجدان رسمياً في الشارع غداً. أما مبدأ عدم التدخل في القضاء فسقط من موشّح نواب كتل «تجدّد» و«القوات» و«الكتائب» وعدد من «التغييريين»، الذين سيزورون قصر العدل اليوم للقاء رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود ووزير العدل وإبداء اعتراضهم على «مخالفة القوانين الهادفة إلى تطيير البيطار والتحقيقات».
أمنياً، يفيد أكثر من مرجع أمني بارز بأن «الأجهزة تتحضّر لمنع أي اهتزاز. وتخوّفها ليس نابعاً من مجرّد تحليل للمشهد العام، إنما بناء لمعطيات، وهي في حالة مراقبة ورصد لنشاطاتٍ في أكثر من منطقة». وتضيف «الخطر الذي نعتبره طارئاً هو الفتنة المسيحية - الشيعية تحديداً وليس شيئاً آخر». أحد السيناريوهات المحتملة بقوة «اغتيالات سياسية معيّنة تطاول شخصيات نعتبرها اليوم في دائرة الخطر يؤثّر استهدافها في استقرار البلد، وتدفع إلى ما يشبه أحداث الطيونة بنسخة أكثر عنفاً وأوسع نطاقاً».