على هذا النسق، تسير بعض عمليات التسجيل والقبول والاستفادة، ومن هذا المنطلق، يطالب وزير الشؤون رئاسة الحكومة بالدفع لشركة «سايرن» البريطانية غير الحكومية لقاء صيانة ومراقبة هذا النظام الذي يعتقده ناجحاً. بسؤال الوزير عن الشكاوى حول الاستنسابية والتلاعب، يكتفي بالإشارة الى رضى البنك الدولي حول أداء الوزارة ورقابته على ما يحصل، وكأن البنك الدولي لم يموّل في تاريخه أياً من مشاريع الفساد في لبنان. أضف إلى ذلك الغموض الذي يحيط بسبب توقف المساعدات عند 75 ألف مستفيد في السنة الأولى، رغم توفر التمويل لـ 150 ألفاً (نشر وزير الشؤون خبراً منذ أيام حول نقاش مع البنك الدولي لزيادة عدد المستفيدين ومدى القدرة على استقطاب تمويل إضافي لتمديد المساعدات).
كان يفترض أن يكون التفتيش المركزي هو الفيصل بين حُسن إدارة المنصة أو سوئها، لولا أن هذا الجهاز هو من يدير المنصة وهو نفسه أيضاً من يتولى مراقبة إدارتها متجاوزاً بذلك صلاحياته. هذا التجاوز كان فحوى كتاب وجّهه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في 1 آب 2022 الى رئيس التفتيش القاضي جورج عطية وديوان المحاسبة والنيابة العامة التمييزية، وضمّنه ملاحظات حول «القرار المومأ الى التفتيش بتحليل وتقييم بيانات الاستفسار والشكاوى المُتلقاة من المواطنين، بحيث لا يمكن لمن يتولى الإدارة أن ينظر في الشكاوى المتعلقة بأسلوب الإدارة التي ينتهجها ويتولاها بنفسه». وأشار الكتاب إلى «ما يُحكى عن تلاعب ومحاباة في اختيار المستفيدين من برنامج شبكة أمان الاجتماعي، في وقت علمنا فيه أنه تم تسريب معلومات المنصة الى جهات غير رسمية (...) ولا سيما أنه تم إدخالها وحفظها على خوادم خارج لبنان بتواريخ سابقة، وأن احتمال أو فرضية اختراقها قد تكون حصلت خلال الفترة الماضية»، وهو ما نشرته «الأخبار» في 22 كانون الثاني 2023، وردّ عليه رئيس التفتيش المركزي باتهام «الأخبار» بـ«الافتراء»، واصفاً نفسه بأنه «قاض نزيه ونظيف الكف بشهادة كل من يعرف».
وتجاهل عطية في ردّه تبرير ما حمله على تسجيل مخالفات عديدة، من بينها عدم عرض مذكرة التفاهم بينه وبين وزارة الخارجية والتنمية البريطانية على الوزارات المعنية ومجلس الوزراء للموافقة عليها إلا بعد ثلاث سنوات، بعد انتهاء العمل بالمذكرة، الى عدم صدور أي قرار عن مجلس الوزراء بقبول الهبة البريطانية للدعم التقني والفني بميزانية إجمالية وصلت الى 2.5 مليون جنيه استرليني (3 ملايين دولار) خلافاً للمادة 52 من قانون المحاسبة العمومية، وصرف الهبة من دون تقديم أي كشوفات أو مستندات تُبيّن وجهة الصرف والإنفاق والقيود الثبوتية ذات الصلة (وهذا موثّق في كتاب من الأمين العام لمجلس الوزراء محمود مكية الى وزارة المال وبُلغت منه نسخة الى ديوان المحاسبة في 6/4/2022). والأغرب أن عطية أشار في رده الى أن «هذه الاتفاقيات ليست جديدة على الإدارة اللبنانية، وقد أبرم منها الكثير ولم يسبق أن شنّت على أيّ منها حملة بهذا الشكل»، متناسياً أن هيئة التفتيش ليست إدارة أو مؤسسة عامة، بل جهة رقابية يفترض أن تُراقب حسن عمل هذه الإدارات لا أن تحلّ محلها وترتكب مخالفات مماثلة. وهو ختم ردّه بالحديث عمّن سمّاهم «الأوفياء» للتفتيش المركزي بما يوحي وكأن الهيئة باتت حزباً سياسياً، علماً أنه، في الخلاصة، فإن ملف تجاوزات عطية هو اليوم موضوع تحقيق من ديوان المحاسبة.
رئاسة الحكومة لهيئة التفتيش: محاباة في اختيار المستفيدين وسكوت مريب عن تسريب داتا اللبنانيين
وإلى عطية، سارعت أيضاً السفارة البريطانية الموقّعة للعقد غير المصرّح عنه مع التفتيش المركزي على خط الدفاع عن رئيس الهيئة، علماً أن السفارة تخطّت قانون إبرام مذكرات التفاهم مع الدولة اللبنانية ولم تتقيّد بمسار قبول الهبات، وكلفت منظمة غير حكومية تدعى «siren associates” بالعمل لمصلحتها في إدارة التفتيش، وفق عقد خوّل موظفي الشركة التحكم بكل برامج الدعم وكل ما شبكته الحكومة على المنصة (أذونات تجوّل خلال الحجر، طلبات تلقّي لقاح ضد فيروس كورونا وطلبات البطاقة التمويلية) وسمح لها بالتحكم بداتا اللبنانيين، وفق تأكيدات كل الأجهزة الأمنية اللبنانية. السفارة البريطانية، التي نفت دعمها للمنصة، هي نفسها تبرّعت في النص نفسه بتقديم شهادتها بهذه المنصة، فوصفت عملها بـ«الرائد والأول من نوعه في لبنان».