بعد انتهاء الجلسة الحادية عشرة لانتخاب رئيس للجمهورية أعلن النائب ملحم خلف اعتصامه في قاعة الهيئة العامة، ولاقته النائبة نجاة صليبا، قبل أن تنضم إليهما سينتيا زرازير. حتى مساء الأمس تأكد أن الثلاثة لن يخرجوا من البرلمان حتى انتخاب رئيس. زملاؤهم «التغييريون» أيّدوا الفكرة من حيث المبدأ، وحتى ساعات ليل أمس بقي بعضهم داخل الهيئة العامة، من دون أن يكون لديهم نيّة المبيت باعتبار أن «اثنين أو ثلاثة يمثّلون 13 نائباً». وكان لافتاً أن هذا التحرك الأول لصليبا من دون زميلها مارك ضو، علماً أن الاثنين ينتميان إلى حزب «تقدّم» الذي أصدر بياناً داعماً لـ«التحرّك الرمزي»، إلا أنه وصف قرار صليبا بـ«مبادرة منها» كونها لم تنسّق الخطوة مع الحزب.انطلق النواب من المواد 49، 74 و75 من الدستور، ليقدّموا عرضاً إيمائياً من على خشبة مسرح مجلس النواب، طالما أنّ حركتهم ليست من ضمن خطوات متناسقة على طريق فتح كوّة في الأفق السياسي المسدود رئاسياً. فسياسياً، الخلاف بينهم لا يزال قائماً، ولكل منهم مرشح للرئاسة وهذا ما أثبتته جلسة أمس مجدداً. كما أنهم جميعاً لا يقبلون بالأسماء المطروحة من قبل القوى التقليدية. ما اتفق عليه هؤلاء أن «انتخاب رئيس للجمهورية هو الباب لإعادة انتظام المؤسسات الدستورية وانطلاق قطار الإنقاذ». علماً أن ذلك يجافي الحقيقة على أهمية الاستحقاق الرئاسي، لكن هذه المجموعة تبيع في كل مرة مواعيد إنقاذية وهمية لجمهورها، آخرها كان الفوز في الانتخابات النيابية. ومنذ ثمانية أشهر، وهم يهربون إلى الأمام من استحقاقاتٍ تستلزم موقفاً واضحاً، في انتخابات رئاسة المجلس وهيئة المكتب والجلسات الـ11 لانتخاب الرئيس. إذ لم يتبنوا اسماً ويخوضوا معركته بمعزل عن قدرتهم على فرضه.
عملياً، المبادرون للخطوة والمنضمون والمؤيدون ليست لديهم خطوات لاحقة واضحة. قد يبيتون في المجلس شهراً أو عاماً أو يكتفون بليلة. هم أنفسهم لا يعلمون شيئاً سوى أنهم يريدون رئيساً. «الأمر غير مضرّ، لكنّه شكلاني» برأي الأستاذ في معهد العلوم السياسية في الجامعة اليسوعية وسام سعادة، لافتاً إلى أن «جزءاً من الوظيفة البرلمانية وظيفة مسرحية، وخطيئة نواب التغيير تخصّصهم في القسم المسرحي من الوظيفة البرلمانية وإهمال ما تبقى». الأمر الذي أدى إلى «اتساع الهوة مع جمهورهم المفترض الذي فقد ثقته بهم، وشعوره بصدقية أفعالهم، فانتقل من الحماسة والتعويل إلى البرودة وما تحتها من سلبية. وهو ما يعجز النواب عن مناقشته والاعتراف بخيبة أمل الناخبين، رغم إكثار الكلام عن الناس، إلا أن ما يفعلونه يعمّق الشرخ بدل إصلاح ذات البين».
على مبدأ الرمز يعبّر عن المرموز، وإن كان المضمون فارغاً، ذهبت هذه المجموعة النيابية بعيداً لتبييض صفحتها مع جمهورٍ هجرها، لتقول إنها فعلت ما بوسعها حدّ المبيت في مجلس النواب، متناسية عدم وجود حركة شعبية تدعمها، نتيجة قصر فهمها للرأي العام، وغياب الاستراتيجية. فقبل الانتخابات النيابية أرادت استعادة الدولة، وما إن دخلت الحكم حتى نادت باستعادة الشارع، من دون أن تمتلك فكرة لتوليد حركة شعبية لها امتداد داخل البرلمان، يشعر المنضوون فيها بالانتماء لنواب يمثّلونهم. جلّ الدعوات التي يطلقونها والمحيطون بهم من قبيل «عودوا إلى الشارع تعودون إلى الوضوح»، مع كل ما تحمله العبارة من التباسات. فهل الوضوح الذي يريده هؤلاء يشبه «انتفاضة 17 تشرين» التي جمعت التناقضات في الشارع، وأتت بنواب لا يحملون مشروعاً؟ أم هو وضوح محصور في مشاهد قطع الطرقات كالذي جرى أمس في مناطق عدة؟
بالنتيجة، يراكم هؤلاء على فشل مبادرتهم الرئاسية، ليضيفوا إخفاقاً جديداً إلى سجلّ إخفاقاتهم الناتجة من الكسل وغياب الجدية في العمل السياسي. أخطر ما في هذا اللعب ووقوعهم في تهريج مجلس النواب، أنّهم سيدفّعون الآخرين ثمن تسخيف التغيير والإصلاح.