المُراسلات؛ الشراكة القضائية ومخالفة الأصول؛ الخلفيات والتداعيات... كلّها، وغيرها، عبارات شغلَت بيروت في معرِض مواكبة التحقيقات الأوروبية في ملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والوفود الغربية التي بدأت تحطّ في البلاد. تعدّدت التعابير والمشهد واحد: لبنان السياسي والقضائي بات خاضعاً لوصاية جديدة ترتدي عباءة قضائية. صحيح أن النقاش القائم لا يزال متأثراً بفوضى عمل القضاء والمسؤولين اللبنانيين، ما يفتح الباب أمام الخارج للتدخل كيفما يشاء، إلا أن رغبة الخارج بتجاوز كل الحدود والسعي الى الإمساك بكل الملفات القضائية العالقة يثيران الشبهات، بعدما تبيّن أن «الغزوة» القضائية الأوروبية ستتجاوز ما له علاقة بتبييض الأموال وعمليات الاختلاس، وأن هناك إصراراً غربياً على الدخول إلى ملف التحقيقات في جريمة تفجير مرفأ بيروت عبر «معبر» القضاء أيضاً.يوم أمس، تأكّد للجهات الرسمية، السياسية والقضائية، وصول مراسلة فرنسية تطلب لقاء المعنيين بالملف للاستفسار عن معلومات تتعلق بالتحقيق الذي تولاه المحقق العدلي القاضي طارق البيطار. وعلمت «الأخبار» أن المراسلة التي وصلت أمس من وزارة الخارجية إلى وزارة العدل، تتحدث عن زيارة لقاضيين فرنسيين (عُلم أن أحدهما يدعى نيكولا أوبرتين)، مع احتمال أن ينضمّ إليهما خبير جنائي من الشرطة الفرنسية. وتطلب المراسلة تحديد موعد للزوار الأجانب في 24 الجاري للقاء المحامي العام التمييزي صبوح سليمان المكلف من النيابة العامة الإشراف على ملف التحقيقات في المرفأ، للاطلاع على وثائق التحقيق اللبناني.
وفيما بُرّرت إثارة الوفد الفرنسي ملف المرفأ بـ«وجود تحقيق موازٍ تجريه باريس بسبب تضرّر مواطنين فرنسيين في التفجير»، قالت مصادر العدلية إن «البيطار الذي سبق أن رفض التجاوب مع طلب الفرنسيين الكشف عن التحقيقات لن يكون قادراً على الاجتماع بهم، بسبب وجود دعاوى ضده أدّت إلى كفّ يده عن التحقيقات، وفي ظل فشل مجلس القضاء الأعلى في إيجاد الحلول القانونية لقضية المرفأ، أو تعيين محقق عدلي رديف بعد رفض رئيسه القاضي سهيل عبود تعيين القاضية سمرندا نصار بحجة انتمائها السياسي إلى التيار الوطني الحر. وبالتالي، ليس هناك قاضٍ آخر يستطيع أن يتعاون مع الوفد». فضلاً عن أن «القانون اللبناني يمنع الكشف عن أي معلومات سرية خاصة بالتحقيق. وحتى لو أرادت الجهات الأوروبية المساعدة، ففي إمكانها أن تزوّد القضاء اللبناني بمعطيات ووثائق ومعلومات وما من مسوّغ يخوّلها أو يسمَح لها بالاطلاع على مجريات التحقيق القضائي اللبناني».
لا وجود لقاض يتعاون في الملف بسبب كف يد البيطار وعدم تعيين الرديف


وفي هذا السياق، زار الوفد القضائي الألماني أمس محكمة التمييز في قصر العدل، والتقى القاضي غسان عويديات وقضاة آخرين، لاستكمال التحقيقات في قضايا الفساد وتبييض الأموال المتّهم بها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وآخرون. وأثناء الزيارة، عقد وزير العدل، هنري خوري، مؤتمراً صحافياً في الوزارة لمناقشة الأطر القانونية للتعاون القضائي الدولي مع القضاء اللبناني، في ظل الصورة الفاقعة لعجز القضاء اللبناني وسطوة الخارج عليه والمجاهرة بالتدخل الأوروبي بحجة «لجم الفساد».
ولم تمُر زيارة الوفد بسلاسة، إذ أعقبها سجال حاد بعدما رفض النائب العام الاستئنافي، زياد أبو حيدر، طلب عويدات تكليف محام عام استئنافي لإطلاع الوفد القضائي على ملف حاكم مصرف لبنان، وأقفل هاتفه وغادر قصر العدل. لكن سرعان ما حلّ السجال سريعاً بتراجع أبو حيدر وتكليف القاضي رجا حاموش تسهيل مهمة الوفد الأوروبي.
إلى ذلك، عُلم أن الوفد القضائي الآتي من لوكسمبورغ سيصل إلى بيروت في 16 الجاري، وسيجري تحقيقاته على مدى 4 أيام فقط بالتعاون مع النيابة العامة التمييزية.