تداعى اتحاد نقابات المهن الحرّة، أمس، إلى اجتماع ليس الأوّل الذي يبحث عن خطّة تقود إلى تحرير بعض من أموال النقابات المُحتجزة في المصارف، أو لتقديم صيغ قانونية تُساعد في مقاضاة المصارف تحت عنوان استعادة الودائع، أو حتى لمحاسبة المسؤولين عن تهريب الدولارات إلى الخارج. إذاً، هو ليس «الاستنفار» الأوّل الذي يقوده النقباء، ومع ذلك لا يبدو أنّه يؤدي إلى أي نتيجة. هي جعجعةٌ لم تنتج طحيناً منذ بدء الانهيار الاقتصادي، وهو «التّخاذل» نفسه الذي التصق كصفةٍ، ببعض النقباء، وبعضهم وضع رأسه في الرمال أو مدّ يد العون للمنظومة الحاكمة التي أكلت أموال النقابات وكبّدتها الخسائر المالية حتّى تكاد صناديقها اليوم «تُصفّر» من الإفلاس الآتي لا محالة.كلّ ذلك، لم يأتِ على ذكره النقباء الـ7 (بالتنسيق مع نقيبين آخرين اعتذرا عن عدم الحضور لارتباط أحدهما بندوةٍ وآخر لأسبابٍ صحية) الذين اجتمعوا في دار نقابة المحامين في قصر العدل في بيروت. هؤلاء استعاضوا عن الحديث عن الأزمة الحقيقية بتكرار الكلام في العموميّات. والأفدح من ذلك، أنّ المؤتمر الصحافي الذي أعقب عنوان اجتماع الساعة ونصف ساعة خُصص للإعلان عن لقاء سيعقده «الاتحاد» مع القطاع الأكاديمي، وهيئات المجتمع المدني، ومرصد الوظيفة العامة والحكم الرشيد في جامعة القديس يوسف و«الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين» وجمعية «كلنا إرادة» و«المفكرة القانونية» غداً للإعلان عن المبادئ المشتركة.
أما المبادئ المشتركة فهي أشبه بالنقاش حول «جنس الملائكة» بعد أكثر من 3 سنوات على الأزمة الاقتصادية. إذ أشار البيان الصادر عن «الاتحاد» إلى أن «المبادرة هدفها الالتقاء على النقاط الأساسية لمحاسبة المسؤولين عن الأزمة المالية والإعلان عن خمسة إصلاحات هي بمثابة المداخل الأساسية لمساءلة المسؤولين عن الانهيار غير المسبوق ومحاسبتهم، مع المطالبة بتطبيق القوانين التي تحمي المواطنين والمودعين من التعسف في استعمال الحق الذي تمارسه السلطة، والمطالبة مرة جديدة بصون الحقوق بتفعيل المساءلة ومحاسبة المسؤولين عن الأزمة المالية والاقتصادية التي ألمت بالمجتمع اللبناني وأدت بالمواطنين وبالدولة إلى العجز الحالي».
الخلاصة هي أن نقابات المهن الحرّة تبدو وكأنها تعود خطوات إلى الوراء والتلهّي خلف النقاشات الممجوجة، بدلاً من التسليم بضرورة البحث عن حلول جديّة. المشكلة الحقيقيّة هي أن النقابات لا تريد الاعتراف بأن خياراتها ضيّقة وتكاد تكون محصورة فقط بمواجهة النظام السياسي - الاقتصادي بالتصعيد الحقيقي بغية الخروج من الأزمة.
في المقابل، لا يتّفق نقيب المحامين في بيروت ناضر كاسبار مع هذه الفكرة. بالنسبة له، فإن هذه النقابات تُجابه. أما التأخير فمردّه قيام المصارف بهجوم ارتدادي إعلامي هدفه تأليب الرأي العام على النقابات، إضافة إلى أن النقابات كانت تدرس الخيارات بطريقة دقيقة، وتُناقش الفكرة الأنجع للمواجهة قضائياً: القضاء الجزائي عبر دعاوى الإفلاس الاحتيالي، أو مجلس شورى الدولة أو قضاة العجلة، حتى استقرّت الآراء على اللجوء إلى محكمة البداية طبقاً للقانون 2/67 الذي يتيح للمودعين (مواطن، مؤسسة، جمعية، نقابة...) بإقامة الدعاوى على المصارف أمام المحكمة المختصّة، في حين أنّ تطبيقه مناط بالقضاء الذي يحمي الوديعة ويحمي المصرف كمؤسسة مصرفية من الإفلاس.
كاسبار يخشى من تطيير الدعاوى بإضرابٍ لموظفي «العدلية»


وعليه، يعتبر كاسبار في حديثه مع «الأخبار» أنّها «خطّة متكاملة لمحاولة التعويض من الخسائر، بالإضافة إلى تحمّل نقابات المهن الحرة مسؤوليتها تجاه المواطنين بتقديم صيغة يُمكن استخدامها لاسترجاع الودائع وحثهم على القيام بهذه الخطوة، خصوصاً أن الرسم يكون مقطوعاً (أقل من مليون ليرة لبنانية) وليس نسبياً».
بالطبع، لا يفوّت نقيب المحامين في بيروت فرصة للتذكير بأنّ الاعتكاف القضائي هو الذي أطاح بالدعاوى القضائية التي كانت قد بدأتها 3 نقابات: المحامين، المهندسين والممرضين والتي منها من تقدّم بالإنذارات الخطيّة إلى القضاء بهدف تبليغها إلى المصارف، ومنها من ينتظر عودة القضاة إلى عملهم. ما يخشى منه كاسبار هو أن عودة القضاة إلى عملهم قد لا تحل الأزمة بتسيير هذه الدعاوى والإنذارات، باعتبار أن البعض يسوّق أن الموظفين يُمكن أن يقوموا بتحرّك احتجاجي قريب، ولذلك، يشير إلى أنه في حال حصل هذا الإضراب المزعوم فإنه سيطرح حلاً بإمكانية الاستعاضة عن هؤلاء الموظفين بموظفين من وزارات وإدارات رسمية أُخرى ليكون بإمكان النقابات تسليم الإنذارات من أجل المضي في الدعاوى القضائيّة.