أوقفت مخابرات الجيش عدداً من المشتبه في مشاركتهم في الحادثة التي أدّت إلى مقتل عنصر من قوات الـ«يونيفيل»، في منطقة العاقبية ليل 14- 15 الجاري. وعلمت «الأخبار» أنه باتت في حوزة المحققين معطيات تفيد في رسم صورة واضحة للحادثة، بدءاً من انطلاق الدورية من مقر الكتيبة الإيرلندية في بلدة الطيري (قضاء صور)، حتى وصولها إلى الأوتوستراد الدولي عند محلة أبو الأسود، وانعطاف إحدى الآليات في اتجاه الخط الساحلي القديم نحو منطقة العاقبية حيث وقعت الحادثة.ونقلت وكالة «سبوتنيك» الروسية، أمس، عن مصدر أمني رسمي لبناني، أنّ التحقيقات اتخذت في الساعات الأخيرة «اتجاهاً عملانياً وسريعاً في ضوء توقيف مزيد من المشتبه فيهم». وقال إن «فصول الحادث بدأت تتكشف تباعاً بعد الاستماع الى عدد من الشهود والتحقيق مع المشتبه فيهم، والاطلاع على تسجيلات كاميرات المراقبة». ولفت إلى أن الاستماع إلى إفادات عناصر المهمة الإيرلنديين الناجين من الحادثة «وضّح الكثير من الأمور التي كانت لا تزال عالقة، ولا سيما ما يتصل بظروف انتقال الدورية الإيرلندية إلى الطريق القديم».
وانتقل محققون من مخابرات الجيش، أول من أمس، إلى مقر قيادة القوات الدولية في الناقورة للاستماع إلى 6 جنود من أفراد الدورية، اثنان منهم أصيبا في الحادثة، وأربعة آخرون كانوا في سيارة أخرى لم تنحرف عن مسارها، فيما نُقل أحد المصابين من أفراد الدورية إلى بلاده لتلقي العلاج.
وكانت «مواجهة» صامتة قد دارت بين فريق المحققين اللبنانيين وقيادة الـ«يونيفيل» التي تأخرت في الموافقة على طلب المحققين المكلفين بموجب إشارة قضائية الاستماع إلى أفراد الدورية بصفة شهود. فيما وصل فريق إيرلندي لإجراء تحقيق مستقل، وفتحت الناقورة تحقيقاً داخلياً مستفيدة من «حصانة» للجنود الدوليين توفّرها الاتفاقيات المبرمة مع الدولة اللبنانية، في تكرار لتجارب سابقة امتنعت فيها القوات الدولية عن التعاون الجنائي مع السلطات اللبنانية، استناداً إلى اتفاقيات مبرمة بين لبنان والأمم المتحدة، أبرزها اتفاقية «سوفا» التي تمنح القوات الدولية صلاحيات مطلقة في القضايا الجنائية، وتعفي عناصرها من تقديم إفادات أمام القضاء المحلّي إلا في حالات الجرم المشهود، فيما تقع محاكمتهم في حوادث أو انتهاكات تحصل في مناطق عملهم ضمن اختصاص محاكم بلادهم.
غير أن الجانب اللبناني رأى أن المادة 44 من الاتفاقية تلزم اليونيفيل التعاون مع السلطات اللبنانية ومساعدتها في التحقيق، ولوّح بإعادة النظر في التعاون مع الفريق الإيرلندي في حال اتخاذه خطوات أحادية بمعزل عن التحقيق اللبناني، ما أدى إلى موافقة الناقورة على الاستماع الى الجنود الدوليين.
مصادر قضائية لبنانية أشارت إلى ضرورة تعديل قواعد العمل الجنائية بين الـ«يونيفيل» والسلطات اللبنانية وإعادة تحديد نطاق صلاحيات جنود القوات الدولية وحصاناتهم. ولفت قاضٍ سابق في المحكمة العسكرية إلى أن قيادة الناقورة ترفض دائماً التعاون حتى في القضايا البسيطة، كالخلاف على حادث سير مثلاً، بحجة أن اتفاقية «سوفا» (1995) والاتفاقية بشأن «سلامة موظفي الأمم المتحدة والأفراد المرتبطين بها» (1999) وغيرهما، توفر حصانة لجنودها تشبه تلك الممنوحة للبعثات الدبلوماسية والسفارات وتمنع مثولهم أمام السلطات القضائية.
وينبّه خبراء قانونيون إلى أن هذه الاتفاقيات تنتقص من السيادة اللبنانية بشكل مقلق، وتجعل الجنود الدوليين فوق المحاسبة، إذ تضعهم في حال ارتكابهم تجاوزات في أماكن وجودهم تحت سلطة قضاء بلادهم وليس تحت السلطة القضائية اللبنانية.
ويشير هؤلاء إلى أنه رغم التعديلات التي طرأت على مهام الـ«يونيفيل» في السنوات العشرين الماضية، بقيت الاتفاقيات التي أُبرمت سارية وكأن لبنان لا يزال تحت الاحتلال الإسرائيلي. وبحسب مرجع قضائي، «بعد التحرير عام 2000 وبعد صدور القرار 1701 (عام 2006) الذي حدّد منطقة عمل القوات الدولية جنوبي الليطاني، كان ينبغي إدخال تعديلات على النصوص والمواد التي تعدّ كامل الأراضي اللبنانية بقعة عمل لهذه القوات». عدم التعديل أبقى مفاعيل الاتفاقيات قائمة خارج منطقة عمل القوات الدولية، ما يمكّنها من إعطاء حصانة لأيّ جندي دولي في أي إشكال يقع خارج منطقة عملها التقليدية، ويمنحها حرية إجراء تحقيق مستقل أو استقدام فريق أجنبي للتحقيق بمعزل عن السلطات اللبنانية.