لا تشبه انتخابات مفتي طرابلس والشّمال غداً، ضمن الانتخابات التي دعا إليها مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، أيّ انتخابات سابقة للإفتاء أو لأعضاء المجلس الإسلامي الشّرعي الأعلى. إذ إنّها أوّل انتخابات منذ نحو ثلاثة عقود.وقد أدى غياب تيّار المستقبل عن الاستحقاق بأعضائه في الهيئة الناخبة (138 عضواً)، إلى الانكفاء عن التدخّل مباشرة، و إلى الالتحاق بأحد الأطراف السياسيين لحماية مواقعهم ومصالحهم، وكانت وجهة أغلبهم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي يُشكّل مع شخصيات وقوى سياسية سنّية بارزة أهم الأطراف التي تعمل على ملء فراغ غياب الحريري وتيّاره، إنْ لم يكن على وراثتهما.
وفيما كانت المنافسة في انتخابات 2008 التي أوصلت المفتي السّابق الشيخ مالك الشّعار إلى المنصب وفي انتخابات المجلس الإسلامي الشّرعي الأعلى عام 2016، تدور بين فريقَي 8 و14 آذار على السّاحة السنّية في طرابلس والشّمال، يغيب هذا الانقسام تماماً هذه المرّة مع انسحاب تيّار المستقبل من المشهد العام، فضلاً عن أنّ المرشحين السبعة للمنصب يشبهون بعضهم بعضاً، من حيث التوجّهات وعلاقاتهم مع القوى السّياسية والدينية.
ومع أنّ الأنظار توجّهت إلى ميقاتي كونه المؤثر الأبرز في انتخابات مفتي عاصمة الشّمال، إلا أنه لا يزال متكتماً في إعلان خياره. وقالت مصادر مقربة منه لـ«الأخبار» إنّه «على مسافة واحدة من جميع المرشحين، مع ميله إلى انتخاب من يدعمه المفتي عبد اللطيف دريان للمنصب». لكنها لفتت إلى أن رئيس الحكومة «يُفضّل حصول توافق حول المفتي المقبل، ليس لقطع الطريق على أحد، بل لأنّ التنافس سيجعل الفائز يفوز بعدد قليل من الأصوات، فيصلُ ضعيفاً وبلا إجماع واسع حوله». ولفتت إلى أن التنافس يدور بين 4 مرشحين، هم: أمين الفتوى الحالي وقائمقام المفتي الشيخ محمد إمام، قاضي المحكمة الشّرعية السنّية الشيخ سمير كمال الدين، إمام مسجد الغندور عضو المجلس الإسلامي الشّرعي الأعلى الشيخ مظهر الحموي وإمام مسجد السّلام الشيخ بلال باردوي، أمّا المرشحون الثلاثة الآخرون فهم يخوضون الانتخابات لتسجيل الموقف أكثر من طموحهم للفوز.
وفي حين أنّ كل المرشّحين يسعون إلى استمالة أعضاء الهيئة الناخبة إليهم، مبتعدين عن أيّ موقف سياسي أو ديني حاد ونافر، فإنّ بارودي يكاد يكون وحده من خارج هذا الاصطفاف، وهو يلقى تأييداً من النائب أشرف ريفي، ويُشاع أنّ السّفارة السعودية تدعم وصوله، لكن من غير أن يترجم هذا الدعم عملياً حتى الآن، بالتزامن مع موقف أبلغه إيّاه ميقاتي بأنّه لا يحبّذ وصوله بسبب مواقفه التي وصفها بـ«المتطرفة».
ينطلق الشيخ إمام في ترشّحه من أنّه تبوّأ منصب الإفتاء في طرابلس بالوكالة مرتين، بعد انتهاء ولايتَي المفتيين السابقين طه الصابونجي ومالك الشّعار، ويأمل أن تكون انتخابات يوم غد تثبيتاً له في موقعه، مستنداً إلى تأييد، علني على الأقل، من قسم لا يستهان به من الهيئة الناخبة.
أما الحموي فيعتمد على حضوره وتواصله الشخصي مع أعضاء الهيئة الناخبة، ويستند كمال الدين الى تأييد عدد كبير من أعضاء الهيئة الناخبة الذين نسج معهم علاقات جيدة، فضلاً عن أنّه يحظى بدعم النائب فيصل كرامي، علماً أن مصادر الأخير أكّدت أنّه «يُفضّل التوافق على اسم بين المرشحين: إمام وكمال الدين، كونهما يشبهان طرابلس، ولا نريد أن ينكسر أحدهما».
غير أنّ انتخابات مفتي طرابلس والشّمال لا تحسمها أصوات المدينة وحدها. فقضاء المنية - الضنّية يمثل أعضاؤه من مشايخ ونوّاب ورؤساء بلديات وقضاة ومديرين عامين أكثر من ثلث الهيئة الناخبة، وقد بيّنت انتخابات المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى عام 2016 أنّهم يشكلون «بيضة القبّان»، لذلك تتجه الأنظار إليهم لمعرفة الخيار الذي سيتخذونه، فضلاً عن أصوات قليلة لأعضاء الهيئة الناخبة موزعة بين أقضية زغرتا والكورة والبترون.